الخليج/ نصر طه مصطفى

من دون أي مقدمات ظهر عبدالحليم خدام نائب الرئيس السوري السابق على شاشة قناة العربية الأسبوع الماضي ليتحدث منتقدا الأوضاع في سوريا، مقتصرا في انتقاداته على عهد الرئيس الحالي بشار الأسد، متنقلا في حديثه بين عدة قضايا لكنها تصب في الأخير على كشف سلبيات الأوضاع الحالية وعلى إشارات ضمنية عن تورط سوري في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري.

حتى شهر يونيو من العام الماضي كان عبدالحليم خدام الرجل الثاني في النظام السوري استمرارا لما كان عليه منذ عام 1984م في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد الذي عينه نائبا أول له بعد مرضه الشهير والمحاولة الانقلابية التي قادها ضده شقيقه رفعت وأدت إلى إزاحته من الجيش وتعيينه نائبا ثالثا للرئيس في إطار عملية ترتيب الأوضاع حينها، وتوجه الرئيس السوري الراحل إلى إعداد نجله الأكبر (باسل) لخلافته. وطوال عهد الأسد الأب كان خدام ممسكا بالملف السياسي اللبناني الأمر الذي يعكس مدى قربه من الرئيس الراحل ومدى ثقته فيه، وهي ثقة ممتدة منذ تولي خدام حقيبة الخارجية عقب الانقلاب العسكري الذي أوصل الأسد للحكم أواخر عام 1970. إذن فهناك خمسة وثلاثون عاما قضاها عبدالحليم خدام كأحد صناع القرار السياسي في سوريا وليس مجرد موظف بدرجة وزير أو نائب للرئيس، وهذه الفترة التي تمتد لأكثر من ثلث قرن كان لابد لها من نهاية خاصة منذ تولي الأسد الابن السلطة في سوريا عقب وفاة والده في يونيو 2000.

لا شك أن من حق خدام أن يقول ما يشاء فذلك حقه الذي لا يملك أحد أن يحول بينه وبينه... لكن هل من حقه أن ينتقد نظاما كان شريكا في صياغة سياساته طوال ثلث قرن؟! وأين كان طوال الوقت؟ ولماذا لم يتكلم في حينه؟ وما الذي يثبت لنا أنه انتقد واعترض وتكلم وهو داخل النظام؟ وإذا كان من مشكلة سياسية تستحق النقد في نظره فهل هي مقتصرة على عهد الرئيس بشار فقط بينما كان كل شيء على ما يرام في عهد الرئيس حافظ؟ وبالأساس ما هو الفرق في نظره بين العهدين؟ الرجل قدم بالتأكيد خدمة لا تقدر بثمن للجنة التحقيق الدولية في قضية اغتيال الرئيس الحريري التي سارعت بطلب اللقاء مع الرئيس بشار الأسد ووزير خارجيته فاروق الشرع وكأنها فقط كانت تنتظر هذا الحوار رغم أن المنطق يقول أن تذهب اللجنة للاستماع أولا لعبدالحليم خدام نفسه وتسمع منه تفاصيل ما أشار إليه حول تهديد الأسد للحريري. وعلى ذلك هل يجرؤ خدام على الحديث عن تفاصيل الدور السوري في لبنان على عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد وما قيل حينها ويقال الآن عن تصفية بعض الخصوم مثل كمال جنبلاط وآخرين أم أنه سيتبرأ أيضا من ذلك العهد؟

محنة قياداتنا وأنظمتنا العربية واحدة، فقياداتنا يتحولون إلى ملائكة بمجرد خروجهم من السلطة وأقصد هنا القيادات المشاركة في صنع القرار وليس القادة فقط، وخدام أحد هذه النماذج، فهو امتص النظام الذي شارك في صناعته حتى آخر لحظة كان موجودا فيه بإرادته، وهو لم يكتف بذلك بل دفع أبناءه لاكتساب جنسية بلد آخر كنوع من الاحتياط للمستقبل وهذا يدل على حالة عدم الثقة التي كان يحس بها تجاه النظام الذي كان يتقلد فيه ذلك المنصب الرفيع وهذه هي ذروة المأساة.

أما أنظمتنا العربية وليس كلها بالطبع تتبنى الفاسدين وتصمت عنهم وتتركهم يعيثون في الأرض فساداً من خلال مناصبهم الكبيرة والمهمة ولا تفكر مجرد تفكير في محاسبتهم باعتبار أنها تعتبر أنها نجحت بالفساد في استمالتهم وكسب ولائهم، وبمجرد انشقاق هؤلاء الفاسدين عن أنظمتهم تجد هذه الأنظمة وقد شمرت عن ساعديها لفضحهم وفضح فسادهم وفتح ملفات هذا الفساد من دون أن تدرك أنها بذلك إنما تدين نفسها قبل أن تدين هؤلاء الفاسدين، فملفات الفساد الجاهزة دليل لا شك فيه على أن أجهزة هذه الأنظمة كانت ترصد وتراقب وتعرف جيدا أين مكامن هذا الفساد... فلماذا صمتت عنهم وسمحت لهم بأن يصولوا ويجولوا ويعبثوا بأموال الشعوب المسكينة من دون أن تكلف نفسها حتى مجرد لفت انتباههم لما يجري؟