النهار/ سركيس نعوم

قبل ايام وفي مقال بعنوان "سوريا ولبنان والحوار" نشرنا كلاماً على ألسنة عدد من زوار العاصمة السورية بدت فيه القيادة السورية اقل تشنجاً في الموضوع اللبناني من خلال اشارتها الى ان هدفها ليس استعادة وضعها السابق في لبنان العسكري والامني والسياسي بل هو حماية امن سوريا ونظامها من لبنان بعد تحوله ساحة تحرك عملي ضدها. وحاولت من خلاله شرح اسباب التوتر مع الولايات المتحدة حاصرة اياها بعدم معرفة الوضع والمزاج الشعبيين في سوريا الامر الذي دفعها الى مطالبة دمشق بامور كثيرة مستحيلة التلبية، او على الاقل صعبة التلبية. وهذان، الوضع والمزاج، معارضان لا لاميركا بل لسياساتها الاقليمية لاعتبارهما اياها منحازة كليا الى اسرائيل عدوة سوريا والعرب وغير مكترثة بالحقوق العربية. ويبدو ان المقال المذكور اثار صدى معينا ثم تساؤلا في واشنطن، او بالاحرى في عدد من دوائرها المهتمة بلبنان وسوريا والشرق الاوسط والمتابعة تطور الاوضاع فيها، ودفع هذه الدوائر الى التعليق عليه.

الصدى المبدئي كان ان الدوائر المذكورة تلقت مضمون المقال باهتمام بالغ. والتساؤل كان: هل يعكس الزوار والمعلومات التي نقلوا عن القيادة السورية حقيقة موقفها؟ وهل تعني القيادة السورية ما تقول فعلا؟

اما التعليق فقد تضمن امورا عدة اولها ان المجتمع الدولي بزعامة اميركا يحتاج الى اجوبة عن اسئلة عدة، اذا قرر التوقف الآن او الامتناع الآن عن الاستمرار في طرح الشروط المطلوب من سوريا تنفيذها سواء المتعلق منها بلبنان او بها او بغيرها لان المنطق يقتضي تفهم الوضع السوري الداخلي على حقيقته، او اذا كان قادرا على هذين التوقف والامتناع.

السؤال الاول هو: هل يدير الرئيس السوري بلاده فعلا؟ اي هل يحكمها فعلا؟

والسؤال الثاني هو: هل هو رئيس قوي قادر على احداث تغيير في بلاده طلبه في السابق ويطلبه شعبه في استمرار؟

والسؤال الثالث هو: هل هناك مراكز قوى تحد من سلطة الرئاسة السورية؟

والسؤال الرابع هو: هل يتعرض الرئيس السوري لعملية تضليل معلوماتية من داخل او لا يفوته شيء سواء على صعيد الداخل او على صعيد الخارج؟ وثانيها، ان على الرئيس السوري في حال قوته وامساكه الزمام، اعطاء اشارة لشعبه اولا ثم للمجتمع الدولي انه سيبدأ عملية التغيير بالوتيرة التي تريحه. والاشارة هي احاطة نفسه بطاقم جديد (ربما حكومة) يحكم بواسطتها وينفذ عبرها برنامجه التغييري. وثالثها، التأكيد بوضوح التعاون مع لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، الامر الذي يريح العلاقة بين سوريا والمجتمع الدولي، وتحديدا مع الامم المتحدة. والاقتناع بان هذه اللجنة ستتابع مهمتها رغم كل العوائق، وان شيئا لن "يدفنها". ورابعها، لبنان. فهذه البلاد هي الآن في احسن الاحوال "متفرجة"، (by stander) اي ساحة لكل انواع المواجهات الخارجية والداخلية الموحى بها من الخارج. وسوريا طرف في هذه المواجهات، لذلك لا تستطيع القيادة السياسية السورية العليا ان تبدأ البحث او الحوار مع الذين تواجههم، وابرزهم على الاطلاق المجتمع الدولي، بالموضوع اللبناني بغية التوصل الى تسوية او "صفقة" كما يسميها اللبنانيون يخشى كثيرون منهم ان تكون على حسابهم. وما تستطيع فعله في هذا المجال هو اظهار نيات طيبة حيال لبنان ومن خلاله حيال المجتمع الدولي وذلك عبر مواقف اربعة. اولها، الموافقة على ترسيم الحدود اللبنانية – السورية بما في ذلك مزارع شبعا. وثانيها، الموافقة على اقامة علاقات ديبلوماسية مع لبنان. وثالثها، نصح ثنائي "حزب الله" وحركة "امل" بالعودة الى صفوف الحكومة لمتابعة مسيرة استعادة البلاد بتعاون كل ابنائها. ورابعها، الاقتناع بان بقاء رئيس الجمهورية العماد اميل لحود في منصبه لم يعد يخدم المصالح السورية بل على العكس من ذلك صار مؤذياً لها وبنسبة كبيرة جدا.

هذه الامور كلها، يضيف اصحاب التعليق على كلام زوار دمشق قبل ايام، لا بد ان تفتح ابواب الحوار الفعلي من جديد بين سوريا والمجتمع الدولي وزعيمته اميركا. ولا بد لها ان تساعد في تحسين علاقات الاولى مع الجميع. طبعا، يضيف هؤلاء، الجميع في واشنطن يوافقون على حاجة لبنان وسوريا الى التحاور ثنائيا بغية حل المشكلات الكثيرة بينهما. لكن لبنان وبعد الذي جرى فيه منذ اكثر من سنة وربما قبل ذلك هو الآن ضحية ومتفرج (by stander) في آن واحد. ولهذا السبب فانه لا يستطيع اتخاذ قرارات او مواقف او اجراءات بالاستقلال عن القوى الاقليمية والدولية التي وقفت الى جانبه ودعمته والتي لولاها لكان الآن في خبر كان. ويتابع اصحاب التعليق، ان ذلك يعني من جملة ما يعنيه عدم اسكات الاعلام اللبناني كما يفكر بعض العرب وفي مقدمهم مصر والسعودية علما ان هذا الاعلام لا يعبر عن فريق واحد معاد لسوريا او مخاصم لها. ففيه من يعبر ايضا عن سوريا وفيه من يحاول ان يبقى على الحياد قدر الامكان. ذلك ان اسكات هذا الاعلام سيعطي اشارة خاطئة الى اللبنانيين المؤمنين بالحرية والديموقراطية والى المجتمع الدولي المساند لهم لبلوغ هذين الهدفين الى اهداف اخرى مثل استعادة لبنان سيادته واستقلاله. وينهي هؤلاء بالقول ان سوريا ورغم مشكلاتها الكثيرة والمزمنة مع اميركا ستجد في واشنطن من يسعى الى حلحلة امورها ومساعدتها اذا كان ما قاله زوار عاصمتها صحيحا واذا بادرت قيادتها الى اعطاء الاشارات الايجابية المفصل معظمها اعلاه.