الحياة/ خليل العناني

ركزت غالبية التعليقات الذي تناولت اعترافات عبدالحليم خدام النائب السابق للرئيس السوري، على كونه قد يصبح «الشاهد الرئيس» في التحقيق في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وهو من شأنه أن يسرع بمسألة استجواب شخصيات سورية أخرى رفيعة.

بيد أن للمسألة بعداً آخر، وهو أن خدام نفسه ليس فوق مستوى «الشبهات»، بل ويتحمل، في شكل غير مباشر، المسؤولية عما حدث في لبنان طيلة الشهور القليلة الماضية، وهو ما يمكن استقراؤه من خلال أمرين: الأول أن الرجل ثبت الوجود السوري في لبنان منذ أن أسند إليه «الملف اللبناني» طيلة ربع قرن، مارس خلالها دور «الموجه» لكثير من سياسات النظام السوري في لبنان، وهو يتحمل تبعات الكثير من أخطاء ما قبل الانسحاب السوري. ولا يعفيه من ذلك، كون منصبه نائباً للرئيس الراحل حافظ الأسد توقف عند مجرد النصح «وكتم الأسرار»، وهذا أنكى، ولكن أيضا لكونه شهد كثيراً من ممارسات «الوصاية» السورية على لبنان طيلة الفترة التي قضاها في منصبه، من دون أن ينبس ببنت شفة لإدانة الكثير من تجاوزات هذا الوضع.

أما الأمر الثاني فيتعلق بالدور الذي لعبه خدام في «مأسسة» الكثير من الممارسات التسلطية التي اتبعتها دمشق في لبنان، وعلي رأسها التمدد القوي للأجهزة الأمنية السورية في الحياة اللبنانية، وما ترتب عليه من عمليات فساد وتجارة بالعلاقة بين البلدين الشقيقين، وصولاً إلى اغتيال الحريري في 14 شباط (فبراير) 2005.

كما ان صمت خدام طيلة الفترة اللاحقة على استقالة الحريري من رئاسة الوزارة وحتى اغتياله، يدفع به كي يصبح «متواطئاً» في شكل غير مباشر في مسألة الاغتيال، ووفقاً لروايته التي يدعي فيها علمه بوجود تهديدات جدية للرئيس الحريري، فإنه لم يفعل شيئاً لتحذيره أو تحذير المتربصين به من مغبة القيام بأي عمل من شأنه أن يخرب العلاقات السورية – اللبنانية.

الآن، وبعد «تفريغ» خدام لجزء من «حمولة» الخدمة التي قضاها في كنف النظام السوري، لا يعقل أن ينظر إليه بعضهم بصفته «شاهد ملك»، أو بكونه «الورقة الرابحة» في خنق النظام السوري، في حين أن مساهمته القوية في «تحجير» هذا النظام و»تصليب» مواقفه تجاه لبنان وغيره من القضايا العربية والدولية، يجب التوقف عندها ومساءلته عليها.

وبعيداً عن التاريخ الطويل للرجل، والذي لا يصب بحال في التعويل عليه كشاهد إثبات ذي صدقية عالية، فمن الواضح أن شهادته «الفضائية» لا تخرج عن كونها مجرد محاولة لإحراج النظام السوري، وإبراء الذمة من تركته الثقيلة، أكثر منها محاولة لكشف الحقيقة في قضية اغتيال الحريري.

بالفعل، قد يصبح خدام شاهداً، لكن شهادته هذه تنصرف على حقبة طويلة من «الاستخفاف» السوري بتطورات الأوضاع في لبنان، وعدم الاكتراث بتصحيح مسارات العلاقة بين البلدين، فضلاً عن كونه مساهماً رئيساً في رسم الخطوط العريضة للسياسة السورية في لبنان منذ أن تولى الملف الخاص به عام 1974. وإذا كان من حق السوريين أن يحاسبوا خدام علي «فترة» خدمته التي اكتنز فيها الكثير من الأسرار، فإن من حق اللبنانيين أن يحاسبوه أيضا على «صمته» طيلة الشهور الماضية، وعدم اكتراثه بخطورة الأوضاع في لبنان منذ اغتيال الحريري وحتى الآن.

«اعترافات» خدام يجب أن تؤخذ على محمل الجد لخدمة التحقيق في اغتيال الحريري، بيد أن الاهتمام لا بد أن ينصرف من الآن ولاحقاً إلى ما لم يقله خدام، وهو من شأنه أن يكشف الكثير من خبايا الوجود السوري في لبنان.