هيثم المهنا

في ذاكرة الأوطان تتوضع كل الأفعال والسلوكيات والأحداث التي تجري إن كانت فردية أو جماعية أو على مساحة الوطن . وبين جنبات بيوتاته , وفي الزوايا الخفية , بعضها يبقى مستوراً , تظهر مفاعيله بعد حين لا يطول زمن إخفائه كثيراً , وبعضها يرى النور فور حدوثه ولا يتطلب التأخير خاصة إذا كان يرتبط بالعامة وفيه بعض الإيجابية على حياتهم . وبعضها تستوجب الحالة المتوضعة كتمانه حتى تتوفر مبررات ظهوره تكون المعرفة به وبمفاعيله " ولو ظهر جزء منها " قليلة وغير كافية .

وفي كل تتوضع كل الأحداث في ذاكرة الوطن , في أعماق سويداء الناس وأدمغتهم , يرون ويتكلمون إن كان همساً أو علانية ويتساءلون , ويسألون , ومئات إشارات الاستفهام والتعجب فوق وجوههم , وأحياناً يأتي جواب لا يروي غليل النفس , وجواب لا يرتبط بالسؤال مطلقاً وجواب ينافي الحقيقة ويكون في كليته تبريرات لحالات في معظم حدوثها تحمل أخطاء كبيرة وقاتلة , و بعضها القليل القليل يكون واضحاً ودقيقاً وصريحاً .

ويبقى الصمت أو التغاضي أو السكوت عن كل الأخطاء , المقتل في حياتنا , ارتكابات تحدث ولا حساب أو سؤال , نكتفي بالإقصاء أو الإعفاء , أو الابتعاد وقد يكون في حالات عدة إلى مراكز عدة ومكانة اربح , مكافأة مبررة وواجبة , حتى " تقع الفأس بالرأس " وعندها يظهر كل ما ارتكبه هذا أو ذاك من خطايا وموبقات , وأخطاء ومخالفات , وتجاوزات على القانون وباسم القانون وتحت سقفه , لكل القيم الأخلاقية والوطنية والشرف والمسؤولية , وترتفع الأصوات مطالبة بالحساب وعندها نتساءل مع المثل الشعبي القائل : " يا فرعون مين فرعنك , قال: ما لقيت حدا يردني " .

فعلاً , والمثل ماثل أمامنا , أما كنا نعرف أن عبد الحليم خدام قام , وهو في مركزه , بكل ما ذكر؟؟ أما كنا نعلم أنه يفترس قدسية الوطن باستغلال منصبه , وسرقة أمواله , والتجني عليه بممارسات توصله حينها إلى حبل المشنقة , إن كان بحاويات النفايات , أو الارتهان إلى الخارج , أي خارج كان , ليكون قرضاي سورية على دبابة أمريكية , أو الاستهانة بما يحمل من أهداف يخطب بها , ويوجه بموجبها , ويقترف تحتها كل أشكال الخراب والتخريب والمتاجرة والمزاودة , بحيث ينطبق عليه قول الآية الكريمة:" كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون "؟؟ أما يوجد كثير مثله حتى الآن بين ظهرانينا وفي كل مفاصل السلطة , يمارسون وبكل جرأة كل أشكال الفساد والإفساد , ولا خوف من حساب , يضعون المعيقات في عجلة الإصلاح والتطوير لأنها تضرب مصالحهم , بلى , وهم كثر , تجدهم أنى توجهت . ليست الخيانة أن يتعامل المرء مع العدو فقط , وإنما هي كل مل يجافي الحقيقة والأمانة والواجب , هي كل خروج على أولويات المواطنة وأدبياتها , الخيانة أن يهون الوطن في عيون بعض أبنائه بعد أن رعاهم وحضنهم وصنعهم , الخيانة أن تكون المصلحة الخاصة فوق مصلحة الوطن والناس , هي أن تكذب على الوطن , هي أشكال متعددة وأساليب متنوعة , ومفاهيم متغيرة في الزمان والمكان , ودروب متشعبة , تصب جميعها في مستنقع الخروج عن الأمانة والحرص والمسؤولية .

مهما كانت الأسباب , يبقى الوطن السقف الذي لا يسمح بتجاوزه لأي كان , فالجميع تحت سقف الوطن , والوطن هو القانون , وما يصاغ من تعليمات تنفيذية إنما تخدم رفعة الوطن وسموه وصونه . من هنا , كان من الطبيعي والبديهي أن يكون جميع من في الوطن , جميعهم بلا استثناء , ومهما علا شأنهم وسمت مراكزهم , تحت سقف القانون والوطن , وتحت حكم القانون , في الزمان والمكان اللازمين , وليس حتى يعلن خروج أحدهم , عندها نثور لنحاسب , فساعتها يكبر السؤال ولا ينفع الحساب .

كثيرون ارتكبوا , وهم معروفون , ولم يحاسبوا , وكثيرون ما زالوا يرتكبون , وهم معروفون ولم يحاسبوا , يتشدقون بالشعارات والدلالات التي قالها السيد الرئيس , ويمارسون عكسها تماماً , بل خرقاً لها , يفسرون القوانين على أهوائهم وبما يسيء إليها , لتستمر سيطرتهم ومكتسباتهم , يبررون النهب واسترخاص الثمين , حتى لو قامت الدنيا ولم تقعد , فقد اعتادوا ذلك وعشقوه , وما عادوا يأبهون الكلام , بل يقيمون / وهم يمضغون سيجارهم الثمين / من يتكلم أنه مجنون ومعاق ومتخلف وعاجز عن فهم طبيعة الزمن الذي يعيش .

رجاءَ , لا أحد يقول لنا: دلونا أين هؤلاء , ولا أحد ينكر بأنه لا يعرف , فالفساد واضح , والفاسدون معروفون , في كل ركن نراهم ونشاهدهم ونعرفهم ويعرفهم الجميع .

قد لا يكون سهلاً التخلص منهم دفعة واحدة , وليس المطلوب ذلك , ولكن حساب الفاسدين في الدرجات العليا , قد لا يفعل فعله في الدرجات الدنيا , وفي واقع العالم الثالث تلك هي الحال . بدءاً من عدد السيارات الموضوعة بتصرفهم وتصرف أبنائهم وصولاً إلى حفر الشوارع في المدن والريف وإعادة تعبيدها مرات عديدة هدراً .

وعندها , لن يفكر ظفر لحم ناشب أن يخرج من الجلد , لأن الجسم يكون قد لفظه , وانتظمت خلايا الجسد بتناسق سليم ومعافى , وعندها يصبح الإصلاح ممكناً , والتطوير حقيقة , وتحقيق مستقبل الوطن ومنعته أمراً واقعاً .

فحتى لا يحدث ذلك مرة أخرى , لا بد من فعل ناجز وسريع , وإلا أجارنا الله من الأعظم .