باتريك سيل/الحياة

عزيزي وزير الخارجية،

في نهاية الشهر الماضي، أي في الأيام الأخيرة من رئاسة بريطانيا للإتحاد الأوروبي، قمت بفعل أذهل الكثيرين وأغضبهم. اذ عملت يوم 12 ديسمبر (كانون الأول) على طمس تقرير أعده ديبلوماسيون في القدس ورام الله ينتقد إسرائيل بشدة لإكمالها الاستيلاء على القدس وعزلها عن عمقها العربي الفلسطيني. ونقل عن لسانك أنه ليس من «الملائم» أن ينشر هذا التقرير. إنني أدعوك لتفسير قرارك على صفحات هذه الجريدة.

لست وحدي الذي يعتقد بأنك، بهذا القرار، خنت الشعب الفلسطيني الذي كثيراً ما خانته بريطانيا في الماضي، بل أن عملك يعتبر أيضاً خيانة للديبلوماسيين الأوروبيين الذين وضعوا التقرير وكذلك لجميع الذين يؤمنون بالحل السلمي للنزاع العربي - الإسرائيلي.

لا شك بأنك تعلم تماماً بأنه لا يمكن حل النزاع إذا أصرت إسرائيل على الاحتفاظ بالقدس الشرقية. فليس هناك أي فلسطيني أو عربي أو مسلم يمكنه أن يقبل بخسارة مدينة هي ملك الديانات الثلاثة التي تؤمن بإله واحد. فالسياسة التوسعية الإسرائيلية هي إذاً وصفة لا لخدمة السلام بل لاستمرار العنف. وإننا لنشاهد في كل يوم دليلاً جديداً على ذلك. ترى ما هي قناعاتك حول كل هذا؟ يبدو أنك تنكرت لها وخنتها أيضاً، لأني أذكر قولك بأنك تؤيد 100 في المئة قيام دولة فلسطينية مستقلة تكون عاصمتها في القدس الشرقية.

الاستيلاء الإسرائيلي على القدس

يقول التقرير الذي وضعه الديبلوماسيون الأوروبيون بأن السياسات الإسرائيلية «تدل بكل وضوح على نية إسرائيل ضم القدس الشرقية وجعل ذلك أمراً محسوساً». وهو يعدد الخطوات الإسرائيلية مشيراً إلى قرب استكمال بناء الحواجز حول القدس الشرقية بعيداً عن الخط الأخضر، وبناء المستوطنات غير المشروعة وتوسيعها، وتدمير المنازل الفلسطينية، وتثبيت القواعد والتدابير التي تعزل فلسطينيي القدس الشرقية عن الضفة الغربية، وسياسات التمييز التي تقوم بها بلدية القدس بشأن فرض الضرائب ورخص البناء.

ويشير التقرير إلى محاذير هذه السياسات وهي زيادة تصلب السكان الفلسطينيين في القدس بعدما كانوا حتى الآن مسالمين نسبياً، إذ يمكن أن يصل الأمر إلى أن لا يجدوا خياراً آخر سوى اللجوء إلى العنف والإرهاب.

ويقول التقرير أيضاً «إن أفعال إسرائيل في القدس تعتبر خرقاً لخارطة الطريق ولالتزاماتها بموجب القانون الدولي».

وتهدد مستوطنة معاليه أدوميم بصورة خاصة بإكمال محاصرة القدس الشرقية إذ أنها تقسم الضفة الغربية إلى منطقتين منفصلتين جغرافياً، إذ تسيطر إسرائيل على الخروج والدخول من القدس وإليها عازلة المدينة عن بيت لحم ورام الله وباقي الضفة الغربية، مما سيثير «عواقب خطيرة على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية بالنسبة الى الفلسطينيين» بحسب ما جاء في التقرير.

ثم يوصي هذا التقرير الاتحاد الأوروبي وأعضاء مشروع خارطة الطريق بأن يعلنوا بوضوح بأن القدس يجب أن تبقى مسألة خاضعة للتفاوض بين الطرفين وأن على إسرائيل إلغاء كل التدابير التي من شأنها استباق مثل هذا التفاوض.

كذلك يدعو التقرير إلى إعادة فتح جميع المؤسسات الفلسطينية في القدس ويلح على الاتحاد الأوروبي بضرورة عقد اجتماعات سياسية فيها مع السلطة الفلسطينية، بما في ذلك اجتماعات على مستوى وزاري.

ترى ما هو موقف بريطانيا من هذه المسائل المهمة؟ وأين هو موقعك بالنسبة اليها يا سيد سترو؟ هل تنتظر اكتمال بناء الحاجز وضياع المدينة كي تتكلم؟ فمن المعلوم أن الاتحاد الأوروبي لم يعترف بضم القدس الشرقية الى اسرائيل حين أصدرت هذه الأخيرة الفانون الأساسي عام 1980 الذي اعتبر القدس عاصمة إسرائيل «الموحدة والكاملة والأبدية». فهل كنت تقصد بطمس التقرير أن تميع هذا الموقف الأوروبي؟

لقد نقل عن لسانك قولك بأنك لم تشأ التدخل في العملية الانتخابية في إسرائيل. ولماذا يا مستر سترو ما دام الأمر لا يخص الإسرائيليين فقط بل يتعلق بالسلام في الشرق الأوسط وبأمن العديد من الدول بما في ذلك بريطانيا. أليس من واجبك بأن توجه رسالة إلى الناخبين الإسرائيليين بأنه لا يمكن أن يحصلوا على السلام والقدس الشرقية معاً؟ وبأن الاستيلاء على القدس عمل مخالف للقانون ولا يخدم مصالحهم على المدى البعيد، والأرجح أنهم سيدفعون الثمن غالياً في المستقبل؟

كانت أمامك فرصة لتعبئة الاتحاد الأوروبي بكل ثقله لدعم مثل هذه الرسالة، لمساعدة أوروبا على استخدام نفوذها في الشؤون العالمية. فهل كنت نطيع أوامر رئيس الحكومة أم أنك تخاف من اتخاذ موقف صريح؟

إن الصحافة الإسرائيلية تحفل بالعديد من التقارير التي تفيد بأن شارون ينوي التخلص من خارطة الطريق نهائيا ومطالبة الرئيس بوش بالاعتراف بضم إسرائيل للكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية بما فيها معاليه أدوميم.

هدد شارون بأنه لن يسمح للفلسطينيين في القدس بأن يمارسوا حقهم بالتصويت في الانتخابات التشريعية المقبلة. الأمر الذي دعا محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية إلى التلويح بإمكان تأجيل هذه العملية الانتخابية المهمة أو إلغائها. فما هو موقفك من هذا الموضوع؟ ترى هل هو أيضاً من المسائل التي ليس من «المناسب» الحديث عنها ؟

وهل لي أن أسألك يا سيدي الوزير عن موقفك من موضوع الإرهاب؟ لا بد أنك أدركت بأن القسوة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين – من ذلك عمليات القتل المستهدف، والاستيلاء على الأراضي، والعقوبات الجماعية، وتدمير المنازل وكل الفظائع الأخرى الناجمة عن الاحتلال الوحشي – كل ذلك أثار غضب العالمين العربي والإسلامي وأضحى عاملاً رئيسياً في تشجيع الإرهاب الموجه ضد الغرب؟

ويعتقد معظم المراقبين بأن السياسة الخارجية البريطانية التي تتولى مسؤوليتها هي عبارة عن جملة من التناقضات. فأنت تدعي بأنك تؤيد قيام دولة فلسطينية مستقلة، لكنك في شن الحرب على العراق تحالفت مع المحافظين الجدد في واشنطن – الليكوديين – الذين يعارضون إنشاء مثل هذه الدولة.

ولقد صرحت في شعر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بأنك «تؤيد بقوة العمل العسكري في العراق» وبأن موقفك هذا سيكون هو نفسه «حتى بعدما تبين علناً ما كنا جميعا نعرفه وهو أن الحرب تقررت على أساس مجموعة من الأكاذيب والأسانيد المزورة.

كان من نتيجة هذا العمل العسكري الذي أعلنت تأييدك المطلق له أن أصبح العراق «دولة عاجزة» على شفير حرب أهلية، تشهد مذابح يومية وفريسة لأعمال الانتقام التي تقوم بها الميليشيات الطائفية والعرقية. وفيما تتصاعد ضحايا هذه المغامرات الإجرامية تواجه أميركا كارثة استراتيجية كما تواجه بريطانيا إهانة وطنية.

كثيراً ما يقال بأن بريطانيا تلتصق بأميركا في كل الظروف لأن ذلك يمنحها نفوذاً على السياسة الأميركية وخصوصاً بالنسبة الى لموضوع الفلسطيني. فهل لك يا سيدي الوزير أن تشير إلى أي نتيجة محسوسة لهذا النفوذ؟ إنك حين قررت طمس التقرير المهم الخاص بمسألة القدس وما جاء فيه من وقائع واقتراحات، إنما ساهمت في زيادة عدم الاستقرار والعنف في المنطقة وغذّت نار الإرهاب، ولم يعد كل ذلك على وزارتك بأي صدقية.

من الأفضل لبريطانيا أن تنشر التقرير وأن تدعم بقوة ما جاء فيه من توصيات لعلها بذلك تنقذ سمعتها الدولية المنهارة.