الدستور/حلمي الاسمر

المعلومات القادمة من سوريا تقول أن السلطات هناك لم تفاجأ بالقنبلة التي فجرها عبد الحليم خدام من باريس، بل إنها كانت تنتظر مثل هذه الخطوة منذ نحو شهرين، حين انتحر غازي كنعان، وزير الداخلية السوري، ووفق ما تسرب من معلومات من دوائر صنع القرار السوري، فإن انتحار كنعان جاء بعد اكتشاف ما يشبه المحاولة الانقلابية التي حاول تنفيذها كنعان، بتعاون مع عدد من كبار الضباط الذين يقبعون الآن في السجن، وباتفاق مع خدام وحكمت الشهابي، ورفعت الأسد، الذين جمعتهم مصلحة واحدة في التخلص من نظام بشار الأسد، وإن كان لكل منهم سببه.

الأوساط المطلعة في العاصمة السورية تقول أن كنعان تواصل مع السفارة الأمريكية في دمشق طالبا دعم الإدارة الأمريكية في انقلابه المرتب على نحو جيد مع قوى في الأمن السوري تخضع لقيادته المباشرة كونه وزيرا للداخلية، إلا أنه فوجىء برد أمريكي سلبي، وفي الأثناء شعر أنه على وشك أن تتم تصفيته أو التنكيل به بعد انكشاف خطته، ففضل الانتحار بنفسه بعد أن أيقن أن مستقبله أصبح وراءه.

ويفسر رفض الإدارة الأمريكية مباركة انقلاب كنعان برفض إسرائيل القاطع لأي تغيير لنظام بشار الأسد في هذه الفترة بالذات، لعدم وجود بديل جاهز لبشار يحافظ على ’’الوضع القائم’’ الذي يؤمن استقرارا تاما على ’’حدود’’ الكيان الصهيوني مع سوريا، حيث لم تشهد هذه الحدود أي نشاط عسكري من أي نوع منذ العام ،1967 ويحشد أصحاب هذا الرأي عددا ضخما من الوقائع التي تؤيد وجهة نظرهم هذه، على الرغم من التأييد ’’الإسرائيلي’’ المحموم للتصعيد الأميركي ضد سوريا، ويقولون أن هذا الخطاب لا يعبر بالمطلق عن موقف الحكومة الإسرائيلية وقادة أجهزتها الأمنية، ناهيك عن المحافل المسؤولة عن بلورة التقييمات الإستراتيجية في الدولة العبرية. ويقولون أنه على سييل المثال، كشفت صحيفة ’’معاريف’’ في عددها الصادر بتاريخ 28/10/2005 النقاب عن أن رئيس الوزراء ’’الإسرائيلي’’ ومعظم وزرائه وقادة جيشه ورؤساء الأجهزة الإستخبارية يبدون خلال المداولات السرية تحفظات كبيرة إزاء السياسة الأميركية تجاه سوريا، وأن هناك ما يشبه الإجماع داخل المستويات السياسية والعسكرية على أنه من مصلحة ’’إسرائيل’’ بقاء نظام الحكم الحالي في سوريا، وأن كل البدائل التي تطرح لخلافة هذا النظام تعتبر ’’كارثية ’’ بالنسبة للدولة العبرية ومصالحها الإستراتيجية، ويقتبس بن كاسبيت المعلق السياسي في الصحيفة عن شارون خلال إحدى هذه المداولات السرية قوله ’’من الأفضل الحفاظ على الوضع القائم..

من الأفضل وجود دول عربية متخلفة ودكتاتورية مستقرة ومنضبطة حتى تعرف على الأقل أين تبدأ وأين تنتهي’’. وورد في تقييم قسم البحوث التابع لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية المعروفة باسم ’’أمان’’ المسؤولة بشكل عام عن تقديم التقويمات الإستراتيجية للعلاقات مع العالم العربي، أن ’’سوريا بشار الأسد دولة ضعيفة ومفتقدة لجيش ذي أهمية وتتغذى من إشاعات الماضي’’. ليس بوسع أحد تأكيد أو نفي هذه المعلومات، وعلينا الانتظار ما ستكشفه الأيام القادمة!