الدستور/ د. ابراهيم بدران

تتوالى الضغوط الدولية على سوريا منذ أكثر من (6) سنوات، وتتصاعد تلك الضغوط بوتيرة عالية منذ اقر الكونغرس الامريكي قانون محاسبة سوريا، وما تلى ذلك من احداث تمثلت في غزو العراق، وقرار الادارة الامريكية التخلص النهائي من حزب البعث،

ثم تصاعد المقاومة العراقية، ثم التمديد للرئيس اللبناني اميل لحود، ثم اغتيال الرئيس اللبناني رفيق الحريري، وما سبق ذلك وما تبعه من اغتيالات في لبنان، كانت اصابع الاتهام توجه فيها الى سوريا، بغض النظر عن صدق ذلك او عدمه. واخيراً، جاءت تصريحات عبدالحليم خدام، لترفع من مستوى هذه الضغوط، وتصنع من خدام شاهد ملك، ضد النظام السوري بأكمله، وضد حقبة استمرت سبعة وثلاثين عاما.

وكما كانت ’’أسلحة الدمار الشامل’’ حصان طروادة بالنسبة لنظام صدام حسين، فان التحقيق في اغتيال الرئيس الحريري، سيكون الحصان الجديد والمدخل العملي للضغط على سوريا، بشكل كلي و’’قانوني’’، وفي اطار توافق دولي، اهمه التوافق الامريكي الفرنسي، وفي اطار الشرعية الدولية.

كانت الادارات الامريكية والبريطانية والامم المتحدة ووكالة الطاقة الذرية الدولية والخبراء الامريكيون، يعلمون ان لا وجود لأسلحة دمار شامل في العراق، ومع ذلك فان برنامج الغزو استمر بكل قوة، لان هناك اجندة متعددة المحاور، يراد تنفيذها.

والأمر كذلك بالنسبة لسوريا، وذلك في سياق نظرية كونداليزا رايس حول ’’الفوضى البناءة في المنطقة’’. وانطلاقاً من المصلحة الوطنية لسوريا، فان التعرّف على مفردات الاجندة، ينبغي ان يتفعّل في وقت مبكّر، ولا يجوز التمسّك بالمقولة التي استخدمها النظام العراقي السابق، وهي ’’أن الغزو قادم مهما فعلنا، ولذلك لن نفعل شيئاً’’.

الوضع في سوريا أفضل بكثير مما كان في العراق، والفرصة امام سوريا للخروج من الأزمة، بدون خسائر بل وبمكاسب وطنية، متاحة تماماً.

ان مرتكزات الاجندة الدولية ازاء سوريا، تتمثل في ستة محاور، هي:

أولاً: استكمال التحقيق في اغتيال رفيق الحريري، وعلى الادارة السورية، ان تتجاوب مع ما اعلنه الرئيس بشار الأسد، من ان الدولة السورية بريئة من دم الحريري، وان الاشخاص المتورطين مسؤولون عن اعمالهم.

ثانياً: تصفية العلاقة اللبنانية السورية، على اساس التجاور والتكافؤ والندية. وهذا يتطلب المباشرة بترسيم الحدود واعتراف سوريا بكل ما هو لبناني، دون الاختباء وراء العبارات الانشائية التي لا تفيد شيئاً، وكذلك اعتراف لبنان بكل ما هو سوري، كل ذلك وفق القانون الدولي.

ثالثاً: ان الوجود السوري غير المباشر، أياً كان شكله في لبنان، لم يعد مقبولاً كما كان في الماضي. وبالتالي لا بد من الانتهاء منه قولا وعملاً، بدلاً من استنزاف الجهود السورية عبثاً، في المحافظة على بقاياه.

رابعاً: ان التحالف السوري الايراني على شكليته، لم يعد الخيار الافضل، وهو في ظل التغيرات في المنطقة، اصبح عبئاً على سوريا، لا مكسباً لها.

خامساً: ان التحّول نحو التعددية الكاملة والديمقراطية، والمشاركة في صنع القرار، والانتهاء من تسييس الفساد، واكتساب الحكم للمشروعية من صناديق الانتخاب الحرة واطلاق الحرّيات، امر لا بد منه. وهو استحقاق وطني ولجميع الاقطار العربية، قبل ان يكون مطلباً خارجياً.

سادساً: الاستمرار في مكافحة الارهاب. وبديهي ان وراء هذه المحاور التي تديرها الدبلوماسية الامريكية والبريطانية والفرنسية مجتمعة، مآرب كثيرة، تصب في مصلحة الغرب واسرائيل واستمرار احتلالها للجولان، واستعداء المجتمع الدولي ضد سوريا. ومن ضمن هذه الاجندة كذلك، ان تتوقف سوريا، عن دعم حزب الله، وبعض فصائل المقاومة الفلسطينية. وبالتالي فلا أحد يدعي ان الأجندة ازاء سوريا، تخلو من المآرب والغايات المشبوهة.

ومع هذا، فان صلابة الموقف السوري، لا تتعزز بالردود الاعلامية، ولكن بقطع الطريق على اعداء سوريا، من خلال التجاوب الفوري، مع استحقاقات الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي وحقوق الانسان.

ان الاشارات المتعارضة التي تصدر عن العواصم الكبرى، ينبغي ان لا تخدع الادارة السورية او تربكها او توهمها، بان الضغط سيتوقف عند محور من المحاور، او ان التورط الامريكي في العراق، سوف يمنع الولايات المتحدة من توسيع دائرة الصراع. ان الدفاع عن سوريا وسلامتها - وهو مصلحة وطنية وقومية من الدرجة الأولى - لا يصل الى نتائج ايجابية، الاّ من خلال التحرّك السريع للتخلص من ارث الماضي، الذي يعود الى حقبة الحرب الباردة. وهو ارث تخلصت منه العديد من دول أوروبا واسيا، التي كانت موغلة في الايديولوجيا والشمولية والفردية وغياب الحريات والاشتراكية وغيرها، ابتداء من تشيكوسلوفاكيا.. ومروراً ببولندا ورومانيا وربما فيتنام.

ان المشهد السوري، يتطلب الجرأة في مواجهة المستقبل، وفي بدء حقبة وطنية جديدة بارادة سورية، تعزز من موقع الدولة، التي لها مكانة متميزة في الجسم العربي الكبير، ولها دور بارز في استقرار المنطقة.