أنــــور بيجــــو

الوقائع التاريخية ، تشير بوضوح أن الحروب لا يتم ربحها بالعمليات الدفاعية ، لا بل إن هذه الوقائع تشير أن الدفاع نهايته الخسارة ، وأن الهجوم نهايته الربح .

في الحرب الأمريكية الفيتنامية ، لم يكن مقدراً لأمريكا أن تنهزم في الحرب ، ولا كان مقدراً لفيتنام أن تربح تلك الحرب ، لو بقي الشعب الفيتنامي في حالة دفاع عن النفس .

وقائع تلك الحرب الدامية ، تشير إلى أن ثلاث معارك بادرت بها القوات الفيتنامية ، كانت هي السبب الحقيقي في أن ربحت فيتنام حرب التحرير وحرب التوحيد .... الهجوم الأول في منتصف شباط 1968 ، فأعلن جونسون في 31 آذار وقف القصف الأمريكي على شمال فيتنام ، وأعلن بدأ المفاوضات معها ، لم يتزعزع الفيتناميون عن مطالبهم الكاملة شعرة واحدة ، فطالت المفاوضات ، فشنّ الفيتناميون هجومهم الثاني في 30 آذار 1973 ، فأمر نيكسون بشن هجمات جوية وحشية ، لتغطي على المفاوضات السرية التي قام بها كيسنجر وانتهت خلال عام من الهجوم بانسحاب آخر جندي أمريكي ، ومع فضيحة ووتر غيت واستقالة نيكسون شن الفيتناميون هجومهم الثالث وكان توحيد شطري فيتنام .

كل هذه التفاصيل هي للإشارة أن أمريكا حين لا تستطيع الفوز، فإنها لا تخسر إن لم تُهاجم ، بل تربح بإطالة أمد أية أزمة .

إن بقاء السياسة السورية في حالة الدفاع عن النفس ، وفي تبني ردات فعل غير مناسبة تجاه بعض الضغوطات ، ليس من صالحها بأي حال من الأحوال ، خصوصاً وأن هناك الكثير مما يمكن توقعه من أحداث ، على شاكلة ما قام به عبد الحليم خدام ..... وإن النجاحات المؤقتة في صدّ الهجمات بأنواعها ، لا يعني أن القدرة على صدّها ستبقى في نفس المستوى ، بل إن نمط الهجمات وتوحيد أشكالها ومضامينها ، واختيار توقيتاتها ، وتكليف جوقة الشيطان ، بدءاً من جاره صاحب صحيفة السياسة الكويتية ، مروراً بشمشون الأقرع ، ووصولاً إلى عبد الحليم خدام ، مع ما يمكن أن يرافق كل ذلك من إجراءات مستقبلية تتعلق باقتصاد البلد ، ومع ما يرافق ذلك من تبرير لاستمرار الفساد ، كل ذلك ، ودون وجود أفق لهجوم معاكس ، سيضعف الجذوة الوطنية التي ميزت موقف المواطن السوري .

بالمقابل ، فإن الحكمة تقتضي استثمار هذه الجذوة الوطنية ، بل إطلاق طاقاتها بإجراءات عملية واقعية ، وهذا سيقود حتماً إلى إمكانية الهجوم بدل الدفاع المستمر ، وإن أملاً يحدو كل مواطن سوري أن تكون بداية انحسار ، هذا المشروع الأمريكي ، وخاصة تجاه سوريا والعراق ، على يدي هذا المواطن الذي أثبت أنه أصيل ، وأن محبّته لوطنه ، وأن كرامة هذا الوطن تعلو فوق كل اعتبار .

إن حدة الضغوطات وتكرارها ، يجب أن تكون السبب المباشر في التغيير ، لا السبب في تأجيل هذا التغيير ، وإن الخشية من اعتبار التغيير أنه خضوع للضغوط ، هي خشية شكلية في غير محلها ، وستحرمنا من إمكانية التغيير ، فالضغوطات هي السبب المباشر الذي أشعل الجذوة الوطنية ، وهذه الجذوة هي الحامي الحقيقي والوحيد ، لكل تغيير مهما كان نوعه ، بل إن المفارقة تكمن في أن التغيير بدون هذه الجذوة قد يكون خطيراً وفي غير محله .

إن التغيير المقصود ، هو الذي سيؤدي إلى الانتقال من إدارة حركة دفاعية لا أمل فيها بالانتصار ، إلى إدارة حركة مهاجِمة تحشد كل الطاقات ، وتؤدي في النهاية إلى كسر هذه الضغوطات ، والانتصار على المشروع الجهنمي الأمريكي .