هيثم المهنا

في معمعان الأحداث وتسارعها , ومع نهاية عام وإطلالة عام جديد , انتظم على مدى يومين عقد اجتماع أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية في سوريا , ممثلاً أوسع الأطياف السياسية والفكرية والاجتماعية في القطر , تحت سقف الوطن , ومن أجل الوطن وإنسان هذا الوطن.

وسلفاً نثمن هذا الاجتماع , ونعتبره حالة رقابية وتشاركية جديدة وفعالة , ونفترض من خلال ما قدم من تقارير حكومية عن الواقع الاقتصادي وحالة الأداء خلال هذا العام , والأرقام الدالة على الإنجازات , نفترض أن نقاشات مستفيضة ومسؤولة دارت , وحوارات جادة تمت , بعضها يحمل كثيراً من المجاملة , وبعضها الآخر يحمل الكثير من النقد , وكله يصب في مصلحة لوطن أداء وممارسة وهدفاً.

وهنا نتساءل : ماذا بعد؟؟ وكيف ومتى؟؟

سلفاً نقول : إن ما قدمته الحكومة من أرقام ذات دلالة على ما تم خلال العام المنصرم , وبذات الوقت ذات دلالة على حالة من القصور في بعض المجالات لأسباب يعرفها الجميع ويدرك مفاعيلها ومراميها .

ونحن ندرك حجم التحديات والضغوط التي تمارس على القطر , وتضعه في دائرة الخطر والاستهداف , وحجم الطموح المنشود عبر التوجهات الجديدة في عملية الإصلاح والتطوير , لاستمرار قدرته على الصمود والمقاومة من جهة والبناء من جهة ثانية بما ينعكس إيجاباً على المواطن ودوره في الأداء وعلى الوطن في دوره المحوري في المنطقة وعلاقاته الخارجية مع العالم . وأن مخاضاً داخلياً يمر به القطر ليخرج من عنق الزجاجة التي تحاول قوى الظلامية حشره بها , والانطلاق بعملية البناء الجادة لا بد من التأكيد على مجموعة من لحقائق الذاتية والموضوعية المؤثرة في الفعل البنائي , ومنها ما يرتبط بالحكومة أداءً ومتابعة ً ومحاسبة وتواصلاً مع الجماهير وتلبية لمتطلباتها , ومنها ما يرتبط بالقوى المشاركة , وبصراحة لا يساهم أغلبها في تقديم برامج عملية مقتصراً على مشاركة سياسية ليس إلا , إضافة إلى المنظمات الحكومية والشعبية , التي تتبنى في معظمها مواقف رسمية من كل المجريات , ومنها ما يرتبط بالمواطنين مشاركة وأداءً وتحملاً للمسؤولية , وهو في واقع الحال أقل بكثير مما هو واجب ولازم ومأمول , لعدم ثقة أو هروب من المسؤولية أو موقف خاص للبعض مما يفرض وقفة متأنية وفاحصة ودقيقة , وكشف حساب صريحاً وواضحاً ومسؤولاً لما أنجز وما تأخر إنجازه وما لم ير النور , وأسباب كل ذلك إيجاباً وسلباً وبكل مسؤولية , وكيف يكون الحراك المطلوب سليماً لتحقيق الغاية .

كما أننا ندرك مسبقاً استحالة تحقيق كل الطموحات دفعة واحدة لأسباب ترتبط بالبنى التحتية والفوقية إداريةً وقوانين وآليات تنفيذ , إلا أنه من خلال ما تم عرضه تتوضح إمكانية تحقيق الكثير من الطموحات إذا توازن الأداء مع الإمكانيات والحاجات , وكان دقيقاً في عجلة التوظيف حسب الأولويات , عبر متابعة حثيثة لصيغ هذا التنفيذ بكل الشفافية المطلوبة والوضوح والحرص والجدية.

وهذا ما جعلنا نطرح السؤال , مؤكدين أن لم يعد مقبولاً أن نجتمع فقط لمجرد أن نجتمع , وأن تلقي الخطب والمجاملات والتبريرات , مطلوب أن نضع النقاط على الحروف , ولا نسمح بتغيير أماكن الحروف فوق النقاط , الكل مسؤول , ومطالب وشريك في المسؤولية والحصاد , كل في موقعه وحسب طاقته .

مهم جداً أن تجتمع , والأهم أن نخرج من الاجتماع والكل يحمل في ذاته العزم على أن يقدم شيئاً ذا نفع للوطن , فالعمل هو الأساس , وما ينتظرنا لا يحتمل التأجيل أو المجاملة أو الإعاقة وإنما قراءة الحقيقة كما هي , أن نشير إلى الفاسدين والمفسدين ونسأل عن عدم محاسبتهم , من يخربون تحت سمع وبصر القانون وبغطاء القانون , أن نحاسب على بطء عملية الإصلاح التي يتباهى البعض بها علماً أننا نراهن على الزمن الذي إذا لم ندكه سيتجاوزنا بلا رحمة , يكبلها سلوك "المتعربشين" على مواقع القرار لتضارب مصالحهم مع مسرة الإصلاح .

فالأرقام المقدمة كما قلنا ذات دلالة , فزيادة معدل النمو دليل عافية ومطلوب أن ينعكس على الناس تحسناً في مستوى المعيشة الذي يعلن اهتمامه به أكثر من مسؤول يومياً دون تحققه واقعياً وتراجع حجم الصادرات لصالح تزايد حجم الواردات دليل خلل متوضع إن كان في البنية أو حتى في القيمة المادية , ومؤشر على أداء غير متوازن , وأن الدخول في الاقتصاد العالمي يتطلب آليات جديدة تنقل الاقتصاد من حالة الانفعال والغوغائية إلى حالة القدرة على التنافس والصمود .

إمكانياتنا كبيرة , ورغباتنا أكبر , والأداء أقل من المأمول , والمقاومة متعددة المظاهر والأشكال , داخلياً ضد التراخي والفساد , وخارجياً ضد قوى الظلم والطغيان , مطلوب تفعيل دور كل القطاعات , وتحميلها مسؤولياتها , وأن يتحمل الجميع حكومة وأحزاباً ومنظمات ومواطنين مسؤولياتهم , فلا مجاملات , ولا مزايدات , لأن الوطن من دفع الثمن دائماً , الاجتماع خير , وما اجتمعت فئة عليه إلا فازت , فبورك بجهد الجماعة وبه تبنى الأوطان .

انتهى الاجتماع , والمواطن يراقب وينتظر , ويبقى الوطن الأهم من كل عنوان .