السفير/وسام سعادة

كل إسهام في فضح منظومة <<الممانعة>> هو اسهام محمود يعود بالفائدة على الشعبين اللبناني والسوري.

من هذه الزاوية، يصبح مشروعاً تلقف شهادة عبد الحليم خدّام، مع أنها شهادة لم يُدلِ بها ضد النظام التصحيحي البعثي من موقع <<الإصلاح الديموقراطي>> أو <<المصالحة الوطنية>> في الأساس، وإن كانت تصب فعلاً في غير مصلحة الديكتاتورية. انها شهادة تحتج على <<الجنون>> و<<الصبيانية>> من موقع <<الركود>>، لكن الركود يبقى ركوداً، ولم نعرف، بعد، ركوداً يأتي بعملية انقلابية؛ لكن ما نعرفه هو أنه ساعة يصير الركود انشقاقاً فهذا يعني انهيار البناء من تلقائه. بمعنى آخر، لن ينزل سوري واحد الى الشارع ليهتف برجوع عبد الحليم خدام، لكن المواطن السوري الذي يكثر النزول الى الشارع في مسيرات مبايعة النظام لن تلبث أن تتزعزع يقينياته ليس بشأن وطنية هذا النظام في مقابل ما يرمى به خصومه، فهو لن يشكك في نية النظام الصمود، وانما سيصعب عليه تأكيد حظوظ هذا النظام في الصمود.

هذا يفتح المجال للمقارنة بين التسوية التي صارت وراءنا والتسوية التي ما تزال أمامنا. التسوية التي صارت وراءنا، كان مختصرها أن تنسحب سوريا من لبنان ولا تعود فتتدخّل فيه، في مقابل ضمانات مسبقة بتوقف التحقيق الدولي عند حدود معينة، لعلها <<الحقيقة من أجل الحقيقة>> أو <<من أجل التاريخ>> وليس أبداً من أجل إنزال العقوبة القصوى بالقاتل. أما التسوية التي ما تزال أمامنا، فلم تتضح معالمها اليوم، وما تزال مبكرة، لكنها ستتكشف في ختام المطاف، على العفو عن قتلة رفيق الحريري مقابل تنحيهم عن السلطة، وإذا لم يتحرّك النظام السوري لطرح هذه المبادرة في ما عنى لبنان، بما يعنيه ذلك من استقالة رئيس الجمهورية وعدم ملاحقته ومن مباشرة تنفيذ البند الثاني من ال1559، فسيكون على سوريا أن تواجه مثل هذه التسوية في ما عنى قيادتها، فيطلب من هذه القيادة التنحي مقابل إقفال ملف الحريري. هذه هي الحدود الحالية للتسوية، ومخطئ من يعتقد أن التسوية تتعلق مثلاً بتسوية على الحدود العراقية السورية، لأن النظام السوري عاجز فعلاً عن مراقبة الحدود، ولأنه في غنى عن استنزافه هو من قبل الجماعات المعنية بعبور الحدود، ولأن المقاتلين في العراق هم في أكثريتهم من العراقيين. وقبل كل شيء، يجب ألا ننسى بأن الولايات المتحدة تدير مصالحها في نحو مئتي دولة، ولا يعني <<مأزقها>> في العراق أنها لا تهتم الا بأوضاع العراق. كل ما هناك أنها لا تفكر حالياً في خوض حرب جديدة، لكنها ليست بحاجة في كل مرة الى حرب جديدة.

التسوية الوحيدة المتاحة هي أن <<تسلم>> سوريا الحكم في لبنان الى الأكثرية البرلمانية وأن <<تتوسط>> لدى حزب الله ليتقبل تخريجة وفاقية معينة، في مقابل العفو الشامل عن جرائم العام 2005. وعندها ينبغي أن يثبت النظام في سوريا قدرته على الاستمرار بعد أن يكون قد امتنع نهائياً عن محاولة ضرب الاستقلال اللبناني أو التعريض به أو الحفاظ على مراكز نفوذ في السلطة، بل وبرأس هذه السلطة. أما في حال رفضت سوريا تسليم الحكم في لبنان، وصرف اميل لحود، فيتقزّم مجال التسوية، وقد يبلغ ما وصل إليه العرض الأخير الممنوح إلى صدام حسين، بأن يغادر البلاد في أربع وعشرين ساعة.

آن الأوان لبحث التسوية الوحيدة المتاحة حالياً: تطبيق ال 1559 في ما عنى الرئاسيات والميليشيات في مقابل العفو الشامل عن جرائم قتل الحريري والرموز الأخرى.