الاتحاد/ راشد صالح العريمي

لم يمر وقت طويل على إعلان نائب الرئيس السوري السابق عبدالحليم خدام عن انشقاقه، حتى أصبح الرجل ’’مطلوباً’’ بإلحاح لأكثر من جهة، ففي البداية أعلنت لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري أنها تريد الاستماع إلى خدام، وزاد الاهتمام الدولي به مع تزايد تصريحاته، وعبر أكثر من وسيلة إعلام، ليحقق بسرعة انتشاراً بدا الآن أن تطويقه من قبل سوريا يحتاج إلى ابتكار ردود فعل غير تقليدية، لا تدخل ضمنها طبعاً جلسة السب والشتم التي عقدها مجلس الشعب في دمشق• أما ردود الفعل الغربية على انشقاق خدام، والأميركية والفرنسية منها تحديداً، فقد بدت فاترة وحذرة، ربما أكثر مما كان خدام نفسه يتوقع، إذ لم تمض بعيداً في الترحيب بالحدث، ولا في التحفظ الصريح عليه، في ما يمكن اعتباره إمساكاً ماكراً للعصا من الوسط، بحيث يكون في مقدور واشنطن وباريس استثمار ورقة خدام في أي تصعيد محتمل مع دمشق، دون ارتهان لموقف معلن مسبق، أو حتى قلب ظهر المجن له، وتجاهله بشكل كامل، إن دعت الحاجة إلى ذلك، أو ربما تحويله إلى ’’كبش فداء’’، في حال التوصل إلى مقايضة من أي نوع مع النظام السوري•

غير أن التطور الأبرز في هذا الملف جاء قبل يومين، وهو دخول أكثر جماعات المعارضة السورية في الخارج خطورة على الخط، فقد أعلن مراقب عام الإخوان المسلمين السوريين ’’علي صدر الدين البيانوني’’، من موقع لجوئه في لندن، عن رغبة حركته في العمل، مع خدام، بـ’’شرط اعتذاره عن الماضي’’، وهو شرط أعتقد أن ’’أبو جمال’’ استجاب له مسبقاً -ولو بشكل ضمني- من خلال حديث الساعات الأربع الذي أدلى به لقناة ’’العربية’’• غير أن المفارقة هنا واضحة، فـ’’الماضي’’ الذي يراد الاعتذار عنه، هو الماضي الذي يأخذ منه خدام نفسه كامل ’’شرعيته’’ كفاعل سياسي في المشهد السوري• ثم ’’العمل’’ مع خدام من أجل ماذا؟ هل يمكن أن تكون هنالك مشتركات بين الطرفين غير الرغبة في الاستعانة بتجربة خدام ’’الانقلابية’’ في سياق مشروع ’’الإخوان’’ السياسي لمستقبل سوريا؟ لا يجيب مراقب ’’الإخوان’’ على هذا السؤال طبعاً، ولكن القراءة فيما تحت السطور تقود إلى الإجابة بالإيجاب• ويبقى أخيراً، ما سجل من تحركات لبعض الدول العربية، لترويض جموح مسار الأزمة، منها ما أعلن عن لقاء في جدة يجمع الملك عبدالله بن عبدالعزيز بالرئيس بشار الأسد، ولئن لم يرشح شيء ذو دلالة عما أفضت إليه هذه التحركات -حتى كتابة هذه السطور- فإن ما يمكن استنتاجه، هو أن التوجه العام للجهود المبذولة، يركز على التهدئة، أو إبقاء التصعيد في حدوده الدنيا•

ومجمل القول أن الخيارات الكثيرة المفتوحة الآن أمام ’’الأزمة السورية’’، تقتضي الكثير من الحذر، ومقاومة إغراء الشطط في الاستنتاج لأن أهم الأوراق المؤثرة في الأزمة، ما زال داخل دمشق نفسها• وإذا وضعنا في الاعتبار ضرورة إحداث ’’انقلاب جذري’’ في المشهد السياسي السوري، فليس هنالك أحد في موقع أفضل من الرئيس بشار الأسد نفسه لإحداث ’’انقلاب تصحيحي’’ جديد• كما يستطيع الرئيس السوري أيضاً، وهذا هو أفضل السيناريوهات، الإقدام دون تردد، على خطوات استباقية كحالة انفتاح ديمقراطي غير مسبوقة، تجرد الكثير من معارضيه من مصدر شرعيتهم وبرنامجهم، وعملتهم السياسية الوحيدة القابلة للصرف في عالم اليوم• وإن أقدم على ذلك، وبطريقة مقنعة، فإنه سيكون قد صب دلواً من الماء البارد على أزمة تتقلب الآن على نار محتدمة، وسينزع على الأرجح فتيل وضع متقلقل وصعب، لا أحد يعرف على أي جوانبه سيسقط •