النهار/ نبيل بومنصف

ماذا تراهم يفكرون ويتصرفون أبناء "الجيل الجديد" من اللبنانيين حين يسمعون أخبار "اكتشافات" مطابخ العتم الموغلة في عفن الفتنة، من مثل احباط الجيش محاولة تهريب متفجرات وأسلحة من المخيمات الفلسطينية، في الشمال الى "جهات مجهولة" او "مطاردة" أشباح تعمل على التسليح وتوزيع السلاح في مناطق "منتقاة" وفق معايير الصراع السياسي – الأمني المحتدم في الداخل وعلى "الجبهة" اللبنانية – السورية، او ما هو مرشح للاكتشاف ولمزيد من الاكتشاف على جبهات الاغتيالات ومسلسل الرعب الجوّال؟

ثمة "جيل حيّ" لا يزال شاهدا على بدايات الحرب على لبنان التي شنت عام 1975 يتملكه كل ما خزّنته في تلك البدايات ومن بعدها جولات الحرب نفسها، سيكون عليه الآن تحمّل مسؤولية تاريخية بالكامل ليس على صعيد احباط المحاولة المدمرة الجديدة فحسب بل اكساب جيل الابناء الجدد مناعة الانزلاق الى حيث يحفر للبنان ان يهوي ويزول.

يتعين على جيل 1975 وما تلاها من مآس ان يتحول متراس دفاع عن جيل 2006 بمفاهيم العصر الحديث وبوسائل لا صلة لها البتة بكل أساليب الماضي، إلا واحدة منها فقط هي اثبات قدرة اللبنانيين على كسر الخرافة والاستسلام للأسطورة الكاذبة التي تقول انهم قوم او أقوام قابلون للتوظيف والاستباحة عند كل تحول اقليمي ودولي خطير.

ثمة نقطة مضيئة كبيرة في الواقع اللبناني الحالي يفترض بالقوى السياسية و"المجتمع المدني" معا حمايتها والانطلاق منها لتدمير محاولات التدمير في مهدها، وهي ان دماء الشهداء لم تذهب هدرا بل لعلها العامل "الواقعي" الوحيد، على قساوة اسقاط الواقع على دماء الشهادة، الذي شكل الحماية الكبرى للبنان مما أريد له ان يسقط فيه عبر اغتيال النخب السياسية والفكرية والصحافية فيه.

لو كانت مآرب الارهابيين وعتاة الجريمة المنظمة قد بلغت مبتغاها عبر الاغتيالات لكان لبنان اليوم في متاهة أشد خطورة بكثير مما هو فيه، على جسامة المرحلة التي يعيشها وفداحة الاثمان التي يدفعها. ولو "نجحت الاغتيالات في تحقيق ما رسمته لها مطابخ الاجرام المنظم لما كان ثمة "حاجة" الى ابتكار أنماط جديدة – قديمة في اساليب العفن الدموي والفتنوي من مثل الضرب على اوتار الفتنة بين المسلمين أنفسهم والمسيحيين أنفسهم والمسلمين والمسيحيين كنمط "كلاسيكي" دائم.

ولأن الامر ليس محصورا في اطاره الداخلي الصرف بل معظمه مرتبط بالخارج فان ليس "كل خارجي" هو شرّ وهو "زنى سياسي" وهو "خيانة" ولا هو وصاية بالضرورة.

حتى في منطق المصالح الدولية يمكن تسخير هذه المصالح بالمقلوب لمصلحة اللبنانيين.تجربة عام 1975 كانت مريعة ومدمرة من حيث تآلب الغرب والشرق، العرب واسرائيل، على لبنان و"انتخابهم" له كبش محرقة الشرق الاوسط. ودفع جيل تلك الحرب ثمنا قاتلا لان دولة 1943 لم تقم الدعامات الكافية لدولة يمكنها حماية لبنان من الحرب، وتآمر العالم بأسره على لبنان ان بالفعل المباشر او بالصمت، او بالتخاذل.

اليوم الامر منقلب بالكامل. كل العالم لا مصلحة له في انهيار لبنان، ولا مصلحة له في اندلاع بؤرة جديدة، وأغلب الظن ان العالم لن يسمح بانهيار لبنان ان هو سار الى الانزلاق في هذه الفرضية. وذروة الخداع في الحرب النفسية التي تشن على لبنان ان يقارن وضعه بوضع العراق او بوضع فلسطين او بوضع البؤر المزمنة في حين ان ما يتعرض له هو محاولة لاستدراج حالات كهذه اليه عقابا له على تفلته من ثلاثة عقود معتمة. فاذا كان هذا العقاب أصاب منه وجعا هائلا وكلفة باهظة عبر شهدائه، فان ذلك يؤشر الى افلاس مطلق حتى الآن في ابتداع أساليب الفتنة وتعميمها واشعال لبنان مجددا.

إذن هي المرحلة الحاسمة شبه النهائية للخلاص، ولو ان الخلاص مكلف وموجع. وليس أمام جيل 1975 من خيارات سوى خيار واحد هو منع نفسه من السقوط مرة اخرى في ما كلفه وما قد يكلف جيل 2006. وثمة الكثير الكثير من القدرة، فلا خيار آخر سوى "الهجوم" الملزم لتوظيف ما يحاول "أنبياء" العتمة والخداع ان يوهموا اللبنانيين بعكسه بأساليب القرن البائد وعهوده البائدة.