المستقبل/خيرالله خيرالله

غيّر الموت السياسي لأرييل شارون الصورة في الساحتين الإسرائيلية والفلسطينية. لا بد من انتظار بعض الوقت لمعرفة ماذا سيحصل على الصعيد الإسرائيلي. وبكلام أوضح لا بد من أيام عدة قبل الإجابة عن أسئلة في غاية الأهمية في مقدّمها من سيستفيد من غياب شارون الرجل الذي استطاع اختصار المشهد السياسي الإسرائيلي في السنوات الخمس الأخيرة وحصره في شخصه. ذهب شارون بعيداً في الاستخفاف بالآخرين بما في ذلك حزبه (تكتل ليكود). وكان قراره إنشاء حزب خاص به وترك ليكود للذين يعارضون سياسته وكأنه أراد معاقبته على الوقوف في وجهه. قال شارون صراحة إنه أهم من كل الأحزاب وإنه قادر على صنع أحزاب وتفكيكها. ولذلك تجرأ على ليكود وخرج منه وأنشأ حزباً خاصاً به كان إلى ما قبل أيام مرشحاً للفوز في الانتخابات العامة المقررة في أواخر آذار ـ مارس المقبل.

ما الذي سيحصل الآن؟ هل من مستقبل لحزب شارون من دون شارون؟ ماذا سيحصل بتكتل ليكود الذي بات يتزعمه بنيامين نتنياهو الذي لا يتحمله الأميركيون من منطلق انهم لا يستطيعون التعاطي معه؟ وأخيراً ماذا سيفعل حزب العمل الذي يخوض الانتخابات للمرة الأولى بقيادة يهودي من أصول شرقية هو عمير بيريتس جاء إلى إسرائيل من المغرب عندما كان في الرابعة من العمر؟ هل مسموح لبيريتس ذي الأصول المتواضعة والذي لا يتكلم سوى العبرية أن يأتي إلى رئاسة الوزراء على رأس حزب احتكر طويلاً تمثيل اليهود الأوروبيين؟.

أسئلة كثيرة تبدو مطروحة إسرائيلياً بعد توقف دماغ شارون عن العمل. انها أسئلة ترتبط أساساً بما إذا كان في الإمكان الحديث في المستقبل القريب عن إمكان إعادة الحياة إلى العملية السلمية، أم أن مثل هذه التوقعات صارت جزءاً من الماضي وأن ثمة حاجة إلى سنوات عدة قبل التفكير مجدداً في العملية السلمية.

ما يحصل إسرائيلياً لا يعفي الجانب الفلسطيني من طرح أسئلة على نفسه، خصوصاً أن الأمور تتحرك في الضفة الغربية وقطاع غزة يما يوحي بتطورات أقل ما يمكن أن توصف به انها خطيرة. فقبل أسبوعين تقريباً من موعد الانتخابات الفلسطينية، ظهرت سلسلة من المؤشرات التي تؤكد أن الوضع الفلسطيني مقبل على تطورات لا تبشر بالخير. ما معنى مهاجمة نادٍ ليلي رواده من موظفي الأمم المتحدة في غزة؟ وما معنى خطف أجانب في القطاع ثم إطلاقهم. وما معنى تعطيل المرور في معبر رفح وهو المكان الوحيد الذي يتنفس منه أهل القطاع. إن المعبر يعتبر إلى إشعار آخر، السبيل الوحيد كي لا تكون غزة سجناً كبيراً للفلسطينيين بعد الانسحاب الإسرائيلي من القطاع.

ثمة أمور كثيرة أخرى تثير القلق بينها استمرار فوضى السلاح وكأن لا شيء يمكن أن يحد منها أو يضع حداً لها. ولعل أخطر ما في الأمر أن عناصر من "فتح" باتت جزءاً لا يتجزأ من هذه الفوضى وكأن المطلوب إبلاغ العالم أن لا أمل في جعل الشعب الفلسطيني قادراً على حكم نفسه بنفسه في ظل معادلة تأخذ في الاعتبار المعطيات الإقليمية والدولية. كيف يمكن لعناصر فلسطينية أن تطلق النار على الشرطة المصرية التي ترابط على طول الخط الفاصل بين رفح والأراضي المصرية؟ هل بلغ الجنون بعناصر فلسطينية مسلحة حدّ قتل رجال أمن مصريين؟ هل هذه طريقة لمكافأة مصر على ما تقدمه من مساعدات للشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال؟.

من الصعب أن يعود شارون إلى المسرح السياسي الإسرائيلي. وغياب الرجل الذي عرف كيف يدجّن السياسيين الإسرائيليين الآخرين بما في ذلك شمعون بيريس الذي يكبره سناً، يمكن أن يوفر فرصة للجانب الفلسطيني كي يعيد النظر في حساباته. لكن كل الدلائل تشير إلى أن ذلك ليس وارداً حتى لو أجريت انتخابات المجلس التشريعي في موعدها في الخامس والعشرين من الشهر الجاري. كل ما سيفعله الفلسطينيون في الأيام القليلة المقبلة متابعة السقوط في الامتحانات التي يتعرضون لها. انهم لا يشاهدون فخاً ينصب لهم إلا ويتجهون نحوه للسقوط فيه. انهم لا يبدون في حاجة إلى من يدلهم على الطريق إلى الفخ. والفخ الجديد يتمثل في التشجيع على ان يكون بديل شارون أسوأ من شارون. والطريق إلى ذلك واضحة كل الوضوح بدءاً بالعمليات الانتحارية وانتهاء بفوضى السلاح مروراً بإطلاق الصواريخ المضحكة على مواقع إسرائيلية. ستتدبر إسرائيل نفسها من دون شارون. ولكن من يستطيع أن يقول للجانب الفلسطيني إن الوقوع في الأفخاخ يمكن أن يكون هواية، إلا انه لا يمكن ان يكون أساساً صالحاً لأي سياسة!.