النهار/ رنده حيدر

الحظ الذي تخلى عن آرييل شارون فجأة، وهو في ذروة انتصاراته السياسية، ومنعه من قطف ثمارها فجاء انهياره الصحي الكامل لينهي حقبة كاملة من الحياة السياسية في اسرائيل كان هو قطبها الاساس، يبدو اليوم انه يفتح أبوابه أمام إيهود أولمرت الذي بات رئيساً للحكومة الاسرائيلية وعلى الارجح سيكون ايضاً رئيساً لحزب "كاديما". واذا صحت استطلاعات الرأي التي تمنح هذا الحزب 39 مقعداً من المنتظر ان يتحول أولمرت الوريث الحقيقي للإرث السياسي لآرييل شارون.

أولمرت الذي شق طريقه السياسي في أحضان اليمين الاسرائيلي هو من مواليد فلسطين عام 1945. درس الفلسفة وعلم النفس والحقوق في الجامعة العبرية ومن هناك بدأ نشاطه السياسي. ومنذ سن مبكرة كان عضواً فاعلاً في حزب "حيروت" الذي سيتحول لاحقاً الى حزب "الليكود". قام بخدمته العسكرية في لواء غولاني، وعمل طوال سنوات مراسلاً عسكرياً في مجلة "بمحانيه" التي يصدرها الجيش الاسرائيلي. ولكن على ما يبدو لم تجعله هذه التجربة على صلة جيدة مع الصحافيين والاعلاميين الذين اصطدم بهم أكثر من مرة في السنوات الماضية.

انتخب للمرة الاولى عضواً في الكنيست عن حزب "الليكود" عندما كان في الثامنة والعشرين من عمره، ومنذ تلك اللحظة بدأ مسيرته نحو القمة. استطاع أولمرت حتى عام 1998 أن يحتفظ بمقعده في الكنيست، وشغل خلال هذه الفترة حقائب وزارية عدة.

يظهر التاريخ السياسي لأولمرت ميولاً صقرية يمينية متشددة. ففي السبعينات كان من المعارضين بشدة لاعادة الاراضي التي احتلتها اسرائيل الى الفلسطينيين. ففي رأيه حق اسرائيل في السيطرة على هذه الاراضي غير قابل للنقاش. كما عارض مبدأ التسوية السياسية مقابل السلام. في الثمانينات كانت له مواقف حادة ومتشددة من العرب. فلقد كان مكتبه للمحاماة مسؤولاً عن اجراء عقود بيع للاراضي في الضفة الغربية. وعلى ما يبدو كان أولمرت بحاجة الى مرور اكثر من عشرين سنة ليقتنع بضرورة التنازل عن الاراضي الفلسطينية.

من المحطات البارزة في مسيرة أولمرت انتخابه رئيساً لبلدية القدس عام 1993 واعادة انتخابه للمرة الثانية عام 1998. عن هذه الفترة يقال ان أولمرت عمل بصورة خاصة على توظيف الكثير من الاموال في البنى التحتية للمدينة في مشاريع انشائية هدفها تهميش الطابع العربي وتهويد المدينة. وتروي الصحف الاسرائيلية عن هذه الفترة أن أولمرت تقرّب كثيراً خلالها من "الحريديم" او المتدينين اليهود وكذلك من اصحاب الثروات الكبرى من الشخصيات اليهودية الفاعلة.

ويُعرف عن أولمرت أنه متقلب في تحالفاته السياسية التي لطالما كانت قصيرة المدى. فلقد بدأ الى جانب مناحيم بيغن وما لبث ان تركه وانتقل الى غيره من شخصيات الليكود الفاعلة الى ان وضع كل رهاناته السياسية على آرييل شارون والتي اتضح انها كانت صائبة حتى النهاية.

ربط أولمرت مصيره السياسي بمصير شارون وبدا في سنوات حكم الاخير انه حامل رؤياه السياسية والمدافع عنها. وهكذا أصبح أولمرت من الآباء المؤسسين لخطة الانسحاب من طرف واحد من غزة. وقد استخدمه شارون اكثر من مرة ليختبر ردود فعل الاطراف السياسية على مواقفه مثلما حدث مثلاً قبيل تصديق الحكومة الاسرائيلية على "خريطة الطريق". ورغم انه لم يحظَ بأكثر من المرتبة 32 في الانتخابات الداخلية لحزب "الليكود" فقد كان المرشح المفضل لشارون. وأراد اعطاءه حقيبة المال قبل ان يسندها الى نتنياهو، وتعويضاً له أعطاه الى جانب منصبه في وزارة العمل منصباً كان يبدو حتى ذلك الحين رمزياً وهو القائم بأعمال رئيس الحكومة.

كان أولمرت من أهم المدافعين عن شارون في وجه الهجمة التي تعرض لها من جانب المتمردين في حزب "الليكود" الذين عارضوا خطة فك الارتباط من غزة، ووقف الى جانبه لدى اعلانه عن قيام حزبه الجديد "كاديما". يقول البعض عنه أنه لا يختلف كثيراً في رؤيته الاقتصادية والاجتماعية عن بنيامين نتنياهو وهو أقرب في رؤيته السياسية من عمير بيريتس زعيم حزب العمل.

وفي جميع الاحوال سيصبح أولمرت شخصية مركزية في الحياة السياسية الى حين اجراء الانتخابات في الكنيست في نهاية شهر آذار المقبل. وتذهب التقديرات الى ان المنافسة على منصب رئاسة الحكومة في حال انتخب زعيماً لحزب "كاديما" بدلاً من شارون كما هو مرجح ستدور بينه وبين نتنياهو وعمير بيريتس.

ومع ذلك ثمة أمور كثيرة ما زالت غامضة ومجهولة منها: الى أي حد سيستطيع أولمرت ان يجمع حوله الشخصيات المتعارضة التي يتشكل منها حزب "كاديما"؟ وهل يملك الكاريزما عينها التي كانت لشارون ليقنع الاسرائيليين من جديد بالخط السياسي الذي التزمه شارون والقائم على ايجاد تسوية سياسية مع الفلسطينيين عبر الانسحاب من اراضي الضفة الغربية؟

المعروف عن الزعماء اصحاب السطوة والسلطة أنهم يتوجهون دائماً الى تعيين من يعتبرونه لا يشكل خطراً عليهم ولا يخافون منه في منصب القائم بأعمالهم، وسيحتاج أولمرت الى أكثر بكثير من الحظ كي يستطيع فعلاً أن يقود اسرائيل في هذه المرحلة الخطيرة والحساسة من تاريخ المنطقة.