أنور بيجو

من بين الأسباب – وهي متعددة – التي أوصلت ( شمشون بك جنبلاط ) إلى أن يفقد أعصابه ، ذلك التقارب بين التيّار الديموقراطي الحر ، وبين حزب الله ، والذي كانت علامته الأخيرة الفارقة ، حين قال السيد حسن نصر الله أن العماد هو مرشح جديّ وحقيقي لرئاسة الجمهورية .

وإذا أخذت بعين الاعتبار مشاعر المواطنين ، في لبنان والشام ، حول اغتيال رفيق الحريري ، نعتقد أن ما من جهة إلاّ وطاولها الشك ، من شريحة أو أكثر من المواطنين في البلدين ، ابتداءً بالشك بسوريا وحزب الله وكل من هو محسوب على سوريا ، وليس انتهاءً بجنبلاط وقوى مسيحية وسنية متضررة من آل الحريري ، وحتى أن شكوكاً دارت حول بعض تيار الحريري الذي ينسق مع جنبلاط ، ومروراً بمخابرات الدول الأجنبية وعلى رأسها ما يسمّى بـ ( إسرائيل ) .

وكلّ من هذه الشرائح من المواطنين ، له ما يبرر شكوكه ، ويطرح هذه المبررات بقوة ، ويدافع عنها بمعطيات ووقائع وتخمينات .... وحده العماد عون وتياره ، بقي بعيداً عن أية شكوك ، ونعتقد أنه ليس فقط بقي بعيداً عن الشكوك ، بل شكّل أيضاً حالة من المصداقية العالية في عزّ تلك الظروف الخطيرة التي رافقت وأعقبت الاغتيال ، وهذه المشاعر توافرت عند غالب المواطنين في الشام ، أكثر منهم في لبنان .

وهذه المصداقية تمثّلت أول ما تمثّلت ، بالمنطق المتماسك الذي تناول فيه العماد الحدث ثم الأحداث التي أعقبته ، وفي الشؤون الأساسية الكبيرة ، كما في التفاصيل الصغيرة ، ونعتقد أن ما جعل منطق العماد متماسكاً ، هو أنه لم يسقط الأحداث على تجربته الشخصية كفرد أو كتيار ، ولم يجعل من مرارة تلك التجربة كما يراها ، أن تترك أي أثر في قراءة الحدث أو الأحداث التي تلته ، لم يسقط خصوماته التاريخية ، ولا خصوماته الراهنة على الأحداث ، لم يحرق كل الأوراق من أجل مطلب سياسي ، كما لم يتنازل عن منطق مطالباته السياسية ، لم يَتهم أحداً ، لكنه بالمقابل لم يبرئ أحداً ، ولأنه بقي متمسكاً بهذا المنطق ، لذلك نعتقد أنه لم يُتهم فحسب ، بل شكّل تلك المصداقية .

كما دعّمت هذه المصداقية ، اللغة الرزينة ، لكنها بالمقابل اللغة الحاسمة ، والتي عبّرت عن ذلك المنطق المتماسك بدون تعقيدات أو تناقضات ، فلم تكن لغة حقودة ، كما لم تكن لغة متساهلة .

لكنّ الأيام والساعات القليلة التي مرّت ، كما الأيام والساعات القليلة التي ستأتي ، ألن تضع العماد أمام خيارات ليست ، بأي حال من الأحوال ، خيارات سهلة ؟؟

هل أخطأ العماد عون الحساب في توقيت اعتراضه على الحوار الذي يجري في السعودية ، بغض النظر عن خلفية هذا الاعتراض ومنطقه ، بحيث تم تفسير هذا الاعتراض أنه استجابة لغزل جنبلاط ؟؟

ألم يلتقط العماد عون بمنطقه المتماسك ، أن معركة وليد جنبلاط ومن يستخدم لغته النهائية ، هي مع سوريا وليس مع قتلة رفيق الحريري ؟؟ هي من أجل احتلال سوريا وليس من أجل تحرير واستقلال لبنان ؟؟ هي من أجل إفقار سوريا وليس من أجل ازدهار اقتصاد لبنان ؟؟ هي من أجل الفوضى في سوريا وليس من أجل النظام في لبنان ؟؟

ألم يلتقط العماد عون ، أن جنبلاط الذي كان أول المدافعين عن سلاح المقاومة ، وأول المعلنين أن القرار 1559 انتهى مفعوله بعد انسحاب سوريا ، وربما أرشيف العماد يسعفني في ذلك ، ألم يلتقط أن هجوم جنبلاط على المقاومة وعلى سلاحها ، لم يبدأ إلا بعد أن أعلن السيد نصر الله أنه (أي العماد ) مرشح جدي وحقيقي للرئاسة ؟؟ وهذا سبق تلك الاجتماعات السعودية ، وألم يتساءل ما معنى ذلك ؟؟ وهل يعقل أن العماد نسي من يمثل من المسيحيين ، ومن هم حلفاؤه غير الممثلين في البرلمان من المسيحيين ومن الدروز ومن السنة ؟؟ وما يعني ذلك بأن يكون مرشحاً جدياً وحقيقياً من قبل الشيعة ، وعلى الأغلب بقبول بل بمباركة من البطريرك صفير وما يشكل ذلك من مخرج يحفظ كرامة رئيس الجمهورية العماد لحود ؟؟ ألم يضع العماد عون احتمالاً لو في حده الأدنى ، أن يكون ملف ( الحقيقة ) لم يحرق بعد ، وأن يكون العماد هو الرئيس ، وهو غير متهم بالولاء لسوريا ، فيأخذ التحقيق مجراه بالمنطق والبداهة ، بأن يفتش التحقيق عن دلائل ومؤشرات ، ثم يقول أن هذه الدلائل وهذه المؤشرات ، تدل وتشير إلى تلك الجهة أنها مشتبه بها ، لا كما جرى من قلب للمنطق ، حيث تم تحديد الجهة المشتبه بها ، وصار السعي الحثيث للتفتيش عن دلائل لإدانتها !!

ألم يلتقط العماد عون ، مع أنه كان السبّاق في ذلك ، أن كل المعطيات التي كان يقدمها جنبلاط للإعلام وليس للجنة التحقيق ، وكل الاستثمارات السريعة للأحداث الدموية التي كان بشّر بها ، فاستجاب ( إلهه ) فحصلت ، والاتهامات الجاهزة التي كان يوزعها بسرعة الضوء ، ألم يلتقط أن كل ذلك ربما يجعل من جنبلاط مرشحاً ، ولو بدرجة ما مهما صغرت ، أن يكون شريكاً في مخطط أبعد مما هو ظاهر حتى الآن ؟؟؟ وهل نظرية المؤامرة صارت مرذولة إلى هذه الدرجة ؟؟؟ ومن هي الجهة التي تريد منّا أن نرذلها ؟؟ ولماذا ؟؟

وإذا كان أرشيف العماد عون مليء بتاريخ أنماط مواقف شمشون بك جنبلاط ، ابتداءً من التهجير أيام الحرب ، ومن مواقفه من رفيق الحريري أيام ( السوليدير ) أيام ( السلم ) ، ومروراً بمواقفه من العماد نفسه ( التسونامي ) ، وأخيراً - وليس انتهاءً - بحزب الله أيام الحرية والسيادة والاستقلال ..... وإذا كانت مشاهد ألم ( المقروصين ) الملدوغين تقع تحت بصرك ، فلماذا تتطوع أيها العماد لتُلدغ ؟؟ وهل المفهوم الحقيقي للسياسة بأنها أشرف وأكبر وسيلة لخدمة الوطن ، يمكن أن يبرر التعاطي مع من لم يحفظ شرف المواقف والمبادئ ، مع من يعتمد سياسة المؤامرة والمقامرة ..... سياسة عليّ وعلى أعدائي ؟؟؟ وأليس التعاطي مع هذه المواصفات التي يبتلي بها جنبلاط ، والتي لا يختلف حولها أحد ، هو من باب المفهوم الدارج عن السياسة ، بأنها تعني الغش والخداع والغدر ، والتي تختصر ظلماً ( بالشطارة ) ، ألا يعني هذا التعاطي تناقضاً مع التأسيس على المصداقية العالية التي كونتها أيها العماد بالصبر ؟؟

لا يستطيع أحد لومك أيها العماد إن لم تتحالف مع حزب الله للأسباب التي يصرح بها ، حول موقعه داخل أو خارج الحكومة وغير ذلك ...... ، لكن ، لا يمكن إلا أن تلومك الغالبية في الشام ولبنان ، حين تضع بجانب المصداقية وثبات المبادئ والصبر ، الغش والغدر والاحتيال والنزق المجنون .

بتاريخ 13 – 12 2005 قلنا لحزب الله بالحرف الواحد ((على هذا الأساس ، فإن على حزب الله إذا كان لا بد من الحذر ، أن يحذر من وليد جنبلاط قبل وبعد أي شيء آخر ، وخاصة فيما يتعلق بسلاح المقاومة ، إذ كيف تتوافق مقولة الحفاظ على سلاح المقاومة ، مع مقولة أن تعمّ الفوضى العارمة في سوريا ؟؟؟ بل كيف تتوافق نظرة حزب الله لسوريا ونظام سوريا ودور سوريا ، مع نظرة وليد جنبلاط ؟؟؟ )) .

إن مواقف جنبلاط وتصريحاته ، وليس سليمان فرنجية وعمر كرامي ، في الفترة التي سبقت اغتيال رفيق الحريري ، هي ما صنع الجو السياسي الذي مهّد لذاك الاغتيال ، وإن الساعات القليلة الأولى لاغتيال رفيق الحريري وما تلاها ، تترك لدى المدقق انطباعاً كبيراً أن جنبلاط ، كان يعرف حقيقة ، ليس بحاسة شمه ، بل بمعلومات ما ، أن حدثاً كبيراً سيقع ولا بد من استثماره ، وهكذا جرى .... كل شيء جاهز !!!!

كل هذا يجعل المواطن العادي من أمثالنا ، يتوجه إلى العماد ميشال عون بالرأي ، أن يتمسك بمصداقيته وبمنطقه المتماسك ، وألا يقف في خيمة واحدة بجانب شمشون ، فالخناق يضيق على كل شمشون ، وحين يضيق الخناق .... تروي القصة بوضوح ماذا فعل شمشون ....