امير مخول

معركتان انتخابيتان يخوضهما جزءان من الشعب الفلسطيني كل على حدة وبشكل منفصل, واحدة في الضفة والقطاع وبعض سكان القدس المحتلة لانتخاب مجلس تشريعي فلسطيني ضمن السلطة الوطنية الفلسطينية منقوصة السيادة, واخرى يخوضها فلسطينيون داخل الخط الاخضر في انتخابات برلمانية لانتخاب مندوبين في برلمان ليس لهم في دولة ليست لهم وهو الكنيست الاسرائيلي.

هذه الانتخابات المتزامنة من جانبي الخط الاخضر تسلط الضوء على الحالة. فمن ناحية تهيمن اسرائيل سياسيا على الساحة ضمن سياسة واحدة ورؤية شاملة هي المشروع الصهيوني بتجلياته المتنوعة, ومن ناحية اخرى وقد تكون ذاتها بمفهوم معين يسلك كل من هذين الجزئين من الشعب الفلسطيني كما لو كان هو الشعب بمعزل عن الاخر وعن اللاجئين خارج الوطن الذين اصبحوا خارج دائرة صنع القرار الفلسطيني كل ذلك بعد غياب منظمة التحرير الفلسطينية وسيطرة السلطة الفلسطينية على دورها بمباركة وضغط دوليين. ورافق غياب م ت ف تغييب المشروع التحرري الفلسطيني, والذي كلما ابتعد الفعل السياسي الفلسطيني عنه كلما زادت تجزيئية الشعب الفلسطيني وتراجعت العلاقة بين استراتيجيات اجزائه المختلفة. فلو كانت م ت ف قائمة بمفهوم حركة التحرر الوطني للشعب الفلسطيني لكان بالامكان ان تنبثق عنها استراتيجيات مختلفة تأخذ بالحسبان الخصوصية المكانية لكل جزء من الشعب الفلسطيني, لكن في سياق مشروع فلسطيني تحرري متكامل. اما في غيابها فان حالة التشتت هي المهيمنة على الواقع الفلسطيني باسقاطات ذلك على ضعف الانجازات الفلسطينية.

ولا يسعفنا القول ان المرحلة مرحلة تراجع عام لان الشعب الفلسطيني وقواه الفاعلة ليست متفرجة بل جزء اساسي من صانعي الحالة الفلسطينية والعامة بما فيها الاسرائيلية. وقد اثبتت مسيرة الشعب الفلسطيني الكفاحية ان هذا الشعب عرف ان يواجه ويخوض نضاله التحرري في فترات التراجع المحلي والاقليمي والدولي.

في الحالة القائمة فان الاطار القيادي للفلسطينيين في الضفة والقطاع هو السلطة الفلسطينية وفي اسرائيل فان الاطار القيادي للفلسطينيين هو "لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية", وكل منهما محكوم بالسقف الاسرائيلي, بخلاف م ت ف تاريخيا وحتى بخلاف هيئة فلسطينية منتخبة داخل اسرائيل تنظم هذا الجزء من الشعب الفلسطيني وتندرج ضمن مركبات قيادة هذا الشعب.

الحالة التجزيئية هي الطاغية فلسطينيا وهي التي فرضتها الاستراتيجية الصهيونية وتسعى اسرائيل بشكل منهجي منذ ستة عقود الى فرضها واعادة انتاجها كمركب رؤيوي صهيوني استراتيجي يهدف الى القضاء على بنية الشعب الفلسطيني كشعب ومن خلال ذلك القضاء على حقوقه ومشروعه التحرري, اي تفتيت القضية الفلسطينية وجعلها قضايا لفلسطينيين لا رابط فلسطينيا بينها.

في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني اسرائيل هي التي تحدد اين تجري (مسألة القدس المحتلة) وهي التي تسعى لفرض نتائجها مسبقا من خلال محاولتها منع مشاركة حركة المقاومة الاسلامية (حماس), وهي تحدد عمليا وبدعم امريكي مطلق ودولي اشتراط مشاركة اي تيار بموقفه من اسرائيل. وهي تحدد اين تجري الدعاية الانتخابية, كل ذلك تحت الاحتلال والحصار والهيمنة ومنع التنقل, ليبقى هامش التحرك الفلسطيني الداخلي محدودا جدا. فالى حد بعيد تقوم اسرائيل بمحاولة تحديد سقف وجغرافية الحراك الفلسطيني على مقاس ما يتيحه "الحل الدائم" الذي تسعى الى فرضه على الشعب الفلسطيني وفق استراتيجية شارون التي اصبحت استراتيجية الاجماع الحاكم الاسرائيلي.

في انتخابات الكنيست اسرائيل هي مالكة هذا البرلمان, وتشترط على كل حزب يخوض الانتخابات ان يقر بيهودية الدولة ناهيك عن شرعيتها المطلقة. وفلسطينيا بالامتناع عن دعم حق الشعب الفلسطيني بمقاومة الاحتلال. وملزم ان يتعامل مع ذاته خارج القضية الفلسطينية وداخل المعادلة الاسرائيلية وقواعد لعبتها. والانتخابات الاسرائيلية ليست الطريق نحو تنظيم جزء هام من الشعب الفلسطيني في وطنه داخل الخط الاخضر, بل اقصى ما يمكن ان تولده في هذا السياق هو دعم احادي الجانب من الفلسطينيين داخل الخط الاخضر الى الجهة الاخرى من الخط الاخضر لكن ضمن استراتيجية حل الدولتين وفق الصيغة الاسرائيلية الحالية والتي يعني حل الدولتين حسب الاجماع الاسرائيلي الجديد دولة فلسطينية على جزء من الضفة والقطاع بدون القدس ومع ابقاء الكتل الاستيطانية وعلى حساب حقوق الشعب الفلسطيني الاساسية وبالذات حق العودة وتقرير المصير ومحدودة السيادة والمقومات.

لست هنا بصدد النقاش حول جدوى المشاركة او شكلها, بل وبالاساس للاشارة الى محدودية الفعل البرلماني الفلسطيني وذلك ليس مشكلة في الاداء او القدرات بل محدودية الهامش والافق, وذلك رغم ان الانتخابات في الموقعين تحظيان بدعم واسع وهناك غالبية واضحة تدعم المشاركة بهما داخل الفلسطينيين من جانبي الخط الاخضر. ومردودها هو احياء الحركة السياسية وتنظيم جزئي للممجتمع الفلسطيني خاصة في الضفة والقطاع. لكن هذا ليس الجوهر, وما اشير اليه هنا هو ان الانتخابات بالموقعين ورغم الاختلاف والتفاوت بينهما الا انها لا تعنيان باي شكل تنظيم الشعب الفلسطيني ومشروعه التحرري على اساس تكاملي كشعب, بل انهما تشدان موضوعيا باتجاه اختزال المشروع التحرري الى السقف الذي يفرضه توازن القوى الحالي بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية من جهة وبين اسرائيل والجماهير الفلسطينية مواطنيها غير المنظمين فلسطينيا من جهة اخرى, وكل على انفراد دون تفاعل ملموس لا كمي ولا نوعي بين التمثيل البرلماني في الموقعين. فكلاهما ضمن السلوك التجزيئي صحيح انه مفروض قسرا لكن لا تجري اية مبادرة للتخلص منه بل يتم التسليم باعادة انتاج ذاته فلسطينيا.

ما يجدر تاكيده في هذا الوضع ان هنالك مهمة مشتركة وهي بلورة الرؤية التكاملية الفلسطينية وتنظيم الشعب الفلسطيني في كافة اماكن تواجده. وهي التحدي الذي من دونه ستبقى انتخابات هنا وانتخابات هناك لكنها خارج السيادة الفلسطينية ندور في فلكها بدل ان نحدد مسارها.