الاتفاقات المعقودة في ظل الوصاية تحتاج إلى إعادة نظر
النهار ، اميل خوري

يقول ديبلوماسي عربي ان المشكلة القائمة بين لبنان وسوريا تثير تساؤلا من أين ينبغي البدء بحلها، هل بمعرفة الحقيقة اولا في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه بحيث تبنى على نتائج التحقيقات الدولية طبيعة العلاقات بين البلدين، او يبدأ الحل لهذه المشكلة بترطيب الاجواء بين البلدين واعادة بناء الثقة وازالة التوتر كونه يؤثر سلبا على الاوضاع السياسية والامنية والاقتصادية في لبنان، تمهيدا لاعادة العلاقات الى طبيعتها.

ويضيف الديبلوماسي من خلال ما يسمعه من احزاب وكتل نيابية مختلفة في توجهاتها، ان ثمة من يرى وجوب العمل على اعادة بناء الثقة بين لبنان وسوريا بعدما اصبحت مفقودة بنتيجة مسلسل الاغتيالات والتفجيرات، ولا يعقل ان تظل العلاقات اللبنانية – السورية متوترة ومتأزمة والحملات الاعلامية المتبادلة مستمرة وهي مليئة بالاتهامات والتجريح، في انتظار نتائج التحقيقات في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه التي قد تطول، او انتظار صدور حكم المحكمة في هذه الجرائم، وهو وضع يلحق الضرر بكل من البلدين على كل الصعد، خصوصا اذا ما ازدادت الضغوط الدولية على سوريا وباتت تهدد النظام فيها بخطر السقوط، وتقابل سوريا هذه الضغوط بضغوط على لبنان تؤثر على وحدته الوطنية وعلى عيشه المشترك وعلى الاوضاع السياسية والامنية والاقتصادية فيه، خصوصا اذا بلغت هذه الضغوط حد احداث ازمة وزارية حادة قد تفتح الباب في حال تعذر حلها، الى ازمة حكم تدخل لبنان في المجهول.

وثمة من يرى انه لا يمكن ان تعود الثقة بين لبنان وسوريا ما دامت متهمة بارتكاب جرائم الاغتيال والتفجيرات وما لم تثبت التحقيقات الدولية براءتها منها او تحديد المسؤولين عنها، كي تبنى العلاقات الجديدة بين البلدين في ضوء ذلك، اذ لا يعقل ان تعود العلاقات طبيعية ومرتكبو جرائم الاغتيال غير معروفين الامر الذي يشجع على ارتكاب المزيد منها. واذا كانت سوريا تدعي انها غير مسؤولة عن جرائم الاغتيال التي ارتكبت في لبنان بعد انسحاب قواتها منه، فلو صار التسليم جدلا بهذا الادعاء فمن هو المسؤول عن جرائم الاغتيال التي ارتكبت في ظل الوجود السوري العسكري والسياسي في لبنان وهي جرائم كبيرة استهدفت شخصيات كبيرة امثال الرئيس رينه معوض والشيخ حسن خالد وكمال جنبلاط.

لذلك لا بد اولا من معرفة الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه ولو من خلال التحقيقات الدولية، وقبل انتظار حكم المحكمة، وهي تحقيقات لن تطول لمعرفة الحقيقة اكثر من الاشهر الستة المقبلة، وان دماء الشهداء اللبنانيين لن تكون موضوع مساومة ولا تسويات ومصالحات على الطريقة العشائرية، بل عن طريق الحق والعدالة لكي ينال المجرم العقوبة التي يستحق، وبعد ذلك يصبح في الامكان البحث في طبيعة العلاقات التي ينبغي ان تقوم بين لبنان وسوريا في اطار احترام السيادة والاستقلال لكل منهما.

وفي انتظار ذلك، ينبغي ان تصبح الاجواء هادئة بين البلدين لا ان يظل لبنان يدفع ثمن ردود الفعل على الضغوط الدولية على سوريا وكأنه هو المسؤول عن ممارسته هذه الضغوط، او هو المسؤول عن صدور قرارات مجلس الامن بدءا بالقرار 1559 والاشهر الستة المقبلة قد تكون كافية لتكشف لجنة التحقيق الدولية اسماء المتهمين بارتكاب جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه وربما جرائم اخرى مماثلة نظرا الى الارتباط بعضها ببعض كما قال القاضي ديتليف ميليس. ولا شيء يمنع ان يسود الهدوء والتهدئة بين البلدين خلال هذه الفترة، في انتظار نتائج التحقيق.

ويضيف اصحاب هذا الموقف انه في كل الاحوال ومهما تكن طبيعة العلاقات بين لبنان وسوريا، فلم يعد في الامكان العودة الى كثير من الاتفاقات التي عقدت بين البلدين في ظل الوصاية السورية، لا سيما معاهدة الاخوة والتعاون والتنسيق واتفاق الدفاع والامن، ولا بد من اعادة النظر فيهما على نحو يحافظ على سيادة لبنان واستقلاله وقراره الوطني الحر، وانه لا سبيل الى تطبيق احكام هذين الاتفاقين في ظل الاجواء الحالية المحمومة وفي ظل فقدان الثقة بين السلطتين في كلا البلدين، كأن تطبيق المادة التي تنص "على عدم جعل لبنان مصدر تهديد لأمن سوريا وسوريا لأمن لبنان وان لا يسمح لبنان بأن يكون ممرا او مستقرا لأي قوة او دولة او تنظيم يستهدف المساس بأمنه او امن سوريا، وان سوريا الحريصة على امن لبنان واستقلاله ووحدته ووفاق ابنائه، لا تسمح بأي عمل يهدد امنه واستقلاله وسيادته".

الواقع ان ليس لبنان هو الذي خالف نص هذه المادة بل سوريا هي التي خالفتها بحدوث جرائم القتل والاغتيال والتفجيرات على ارضه وبتهديد وحدته الداخلية والتفريق بين ابنائه.

ولم يعد لبنان المستعيد سيادته واستقلاله في حاجة الى وجود مجلس اعلى "للتنسيق والتعاون بين الدولتين في المجالات السياسية والاقتصادية والامنية والعسكرية وغيرها يشرف على تنفيذها. وتكون قرارات هذا المجلس الزامية ونافذة المفعول في كل من البلدين" بل بات في حاجة الى اقامة تمثيل ديبلوماسي بين البلدين بديلا من هذا المجلس، تتولى السفارة اللبنانية في دمشق والسفارة السورية في بيروت معالجة ما يجد من مشاكل بين البلدين في اطار السيادة والاستقلال وليس في اطار مجلس اعلى يتجاوز ذلك في كثير من نصوصه ويأتي تطبيقها لمصلحة القوي على حساب الضعيف.