ربما من وحي الماضي أو الحاضر .. من الاستقلال والجلاء .. أو الانتصار والهزيمة .. تلوح في الأفق الصور المتفرقة لملامح التطورات التي عاشتها سورية .. هذه هي سورية، ولا يمكننا أن نعشقها إلا كما هي. وحتى لا يظن البعض أن المسألة بعضا من الشعر، فإن العشق السوري هو حالة تمحيص وقراءة .. وسعي جاد لكتابة ما يمكن أن نجده او نأمل به.

حالة "التمحيص" أو "القراءة" تدعونا اليوم إلى خلق مفاهيم لما يطرحه البعض عن "المجتمع المدني" و "حقوق الإنسان" .. ومن جديد ربما علينا فهم الأمر خارج "السياسة" بمفهومها الإجرائي. فعندما ظلم المجتمع المدني عبر مزجه بالمشروع السياسي غاب "المجتمع المدني" بمفهومه المتطور ...

ربما علينا من أجل سورية أن نعيد ترتيب هذا المفهوم كثقافة اجتماعية وليس كمطلب سياسي، وربما علينا أن نشاهد تفاصيل الحياة اليومية حتى نعرف أن الجهد الواجب بذله للوصول إلى الشعور العام باننا أمام مجتمع بالمفهوم المعاصر، أكبر بكثير من الجهد السياسي المطلوب للاعتراف بهذا المفهوم من قبل التيارات المختلفة.
في حالة العامة ربما لا نستطيع الفصل المطلق في طبيعة المجتمعين السياسي والمدني .. ولكن عندما نفقد "المجتمع المدني" داخل الثقافة العامة فربما علينا تأسيس حياة جديدة وثقافة جديدة، يعترف فيها المواطن بانه يعيش داخل مجموع وليس ضمن قبيلة ترتحل في كل موسم إلى جغرافية جديدة.

الأهواء السياسية الجديدة كانت راغبة في خلط الأمور .. وفي إيجاد مزيج من القيم على حساب قيم سادت مراحل ما بعد الاستقلال .. وربما علينا التأكيد من جديد أن الحديث عن الوطنية والقومية والصراع مع إسرائيل هو شأن لا يتعارض مع المزيج الجديد الذي تطرحه التيارات القادمة إلى القرن والواحد والعشرين برؤية "الاكتشاف"!! فحقوق الإنسان والمجتمع المدني هي في النهاية شأن متراكب مع الحياة الاجتماعية وليس مع القناعات الخاصة بوجودنا على أرضنا وحقنا في بناء قناعاتنا السياسية.

ربما علينا من جديد التأسيس لثقافة اجتماعية مبنية على الحداثة والمعاصرة حتى ينتفي قلق التناقض بين المفاهيم التي نحملها.