عبد الناصر عوني فروانة

عام مضى والوطن لا زال مسلوباً والحرية مفقودة ، وقد تَمضى أعوام أخرى وحالنا على حاله، ولا فرق بين العام الماضي وما سبقه من أعوام سوى لغة الأرقام وحجم المعاناة ... أرقام الشهداء والجرحى والأسرى ، أرقام العائلات التي هُجِّرت والمؤسسات التي دُمرت والبيوت التي هُدمت والأراضي التي سُلبت .
و المعاناة تَكبر وتَتسع والأوضاع تزداد سُوءاً وألماً ، والأمل بتحرير الأسرى يدخل غرفة الإنعاش ، والحلم بالإستقلال والدولة ينهار ، والأمن الشخصي رحمه الله ، والفصائل بمجموعها تركت سفن المقاومة بأنواعها وهموم المواطن ، لتعوم وتغرق في بحر من المصالح الفئوية والحزبية بحثاً عما ستجنيه من مقاعد في الإنتخابات القادمة .
هذا بكل أسف ومرارة حالنا ، والضوء الذي كنا نراه في نهاية النفق ، لم نعد نراه بالعين المجردة .

وما يؤلمنا أكثر هو قضية الأسرى والمعتقلين ، واستمرار قوات الإحتلال في حملات الإعتقال بالرغم من التهدئة وانخفاض عمليات المقاومة بشكل كبير جداً ، غير مفرقة ما بين طفل وشيخ أو شاب وفتاة أو أم لأطفال صغار وامرأة حامل ، فالكل مستهدف والكل متهم والذرائع متعددة والأحكام جاهزة ، و لم تبقى هناك عائلة إلا وأن ذاق أحد أفرادها أو جميعهم مرارة الإعتقال وتبعاته ، فالأرقام تتزايد والمعاناة تتسع والجرح يكبر والقضية تدخل مرحلة خطرة ، واعتقلت خلال العام المنصرم قرابة ( 4000 ) أربعة آلاف مواطن ومواطنة ، بقىّ منهم ( 1600 ) معتقل ، من مجموع ( 9200 ) معتقل في سجون الإحتلال .

هذا التصعيد لم يقتصر على حملات الاعتقالات و ارتفاع أعداد المعتقلين فحسب، بل امتد ليشمل حياة الأسرى وظروفهم وعائلاتهم ، كما حصل في سجن "عوفر" حينما أقدمت قوات الاحتلال على الاعتداء على الأسرى بالضرب والغاز والرصاص الحارق، مما أدى إلى إصابة العشرات من الأسرى ، كما ولم يحدث أي تحسن أو تطور ايجابي يذكر على ظروف الإعتقال أو المعاملة من قبل إدارة السجون ، بل بالعكس الأوضاع تزداد سوءاً والمعاملة تهبط الى أدنى مستوياتها ، والوضع الصحي يتفاقم وأعداد المرضى في ارتفاع ، وسياسة التنقلات واللإستقرار متصاعدة ، والتوتر يسود السجون والمعتقلات وينذر بخطر شديد وتفجر لا محالة إذا ما بقيت الأوضاع على حالها ، والأسرى القدامى ممن أمضوا أكثر من عشرين عاماً ارتفع عددهم ليصل الى ( 35 ) أسيراً دون أن يفرج عن أي منهم ، وإلتحق بقائمة شهداء الحركة الأسيرة خمسة شهداء جدد خلال العام المنصرم نتيجة الإهمال الطبي والتعذيب .

هذا الوضع يعكس استهتار حكومة الإحتلال بقضية المعتقلين ، الأمر الذي يستدعي وقفة جادة من الجميع وبدون استثناء لنصرة قضية الأسرى ، واستمراره مسؤولية يتحملها الجميع .
فلا يعقل أن تعجز فصائل المقاومة الفلسطينية مجتمعة عن تحرير أي من الأسرى منذ أكثر من عشرين عاماً وبالتحديد منذ عملية الجليل في العام 1985م ، وهذا بتقديري ليس خللاً في المقاومة ، بل خللاً في برامج وأجندة هذه الفصائل .

كما لا يعقل أن يمر أكثر من عشرة سنوات على المفاوضات دون أن تتمكن السلطة الوطنية الفلسطينية من الإفراج عن الأسرى القدامى أمثال سعيد العتبة ونائل وفخري البرغوثي وأبو علي يطا ، وسليم الكيال ، وفؤاد الرازم والأسير العربي سمير القنطار , و ... إلخ ، برغم ما يمكن أن يسجل إيجابيا بالأمس القريب عما حققته العملية السلمية من افراجات طالت الآلاف وشملت أسرى دوريات وذوي الأحكام العالية وعدد من القدامى .

واليوم نرفض أن تكون قضية الأسرى مجرد دعاية انتخابية أو شعارات ومصطلحات في برامج القوائم والمرشحين ، بل هي قضية عادلة وانتماء صادق وعمل دؤوب وعطاء بلا حدود ، هي عهد ووفاء .
عام مضى بكل ما حمله من أحداث مريرة ومتصاعدة ، باستثناء ما يمكن أن يسجله البعض من ايجابيات تمثل بالإنتهاء العسكري الإسرائيلي لقطاع غزة بعد 38 عاماً من الحكم العسكري .

وعام جديد يأتي ويزيد فيه إصرارنا نحو الحرية ، على آمل أن يحمل ماهو جديد لأحلامنا ولوحدتنا الوطنية ، لطموحاتنا وأهدافنا المشروعة ، وأن نحمل في يوم من أيامه راية الحرية فوق القدس ومآذنها و كنائسها ، وأن نستقبل أسرانا الأبطال ولاجئينا المهجرين عائدين لبيوتهم ، لوطنهم الذي اشتاق لعودتهم ولشعبهم الذي طالما حلم برؤيتهم .