نقولا ناصيف/النهار

هل دخلت البلاد ازمة حكومية مفتوحة؟

هذا ما انتهت اليه، حتى الآن على الاقل، حصيلة الجهود التي بذلت طوال أسابيع لتجنيب حكومة رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة ازمة حكم مفتوحة. وترتكز هذه الخلاصة على المعلومات الآتية:

- بعد عودته من السعودية الجمعة الفائت، التقى الرئيس نبيه بري ليلاً الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله وقوّما المساعي التي رافقت سلسلة المحادثات التي اجريت مع السنيورة ورئيس الغالبية النيابية سعد الحريري في بيروت والرياض وجدة، وانتهت الى اخفاق تام.

- على اثر اجتماعه بالرئيس الفرنسي جاك شيراك، ابلغ الحريري الى فريق التحالف الشيعي ان عليه توقع "رسالة" منه في الساعات التالية، سيحملها اليه فريق عمله المفاوض الذي كان استدعاه الى الرياض. وحتى ليل امس كان بعض المعلومات يكاد يجزم بأن الرسالة لن تصل من اجل انقاذ الاتفاق بين الطرفين.

- قرر التحالف الشيعي، بإزاء هذا الواقع، الآتي: لا استقالة للوزراء الشيعة الخمسة، ولا عودة الى جلسات مجلس الوزراء. وهو امر يرجح حدوث ازمة حكم مفتوحة، لان السنيورة والحريري وفريق الغالبية الوزارية يصرون على استمرار اعمال الحكومة التي تظل قانونية وإن في غياب الوزراء الخمسة، الا ان ذلك يعني في المقابل ان القرارات الحكومية اياً تكن اهميتها ستتخذ في غياب ممثلي طائفة كبرى ورئيسية مما يتيح لها ليس الطعن في شرعية هذه القرارات فحسب، وانما الدخول في مواجهة سياسية حادة مع الفريق الحاكم.

الى اين من ذلك؟

استناداً الى اوساط التحالف الشيعي فان المشكلة تكمن في المعطيات الآتية:

اولها، ان الخلاف بين الطرفين لم يرتكز على الاتفاق في ذاته وانما على تنفيذه. وهو ما عبّر عنه توصلهما الى "اتفاق الرياض" قبل الاعياد، وسرعان ما كرسه بعد ايام اجتماع السنيورة بنصرالله، وان بصيغة مختلفة، على ان تظل طي الكتمان، فلم يطلع عليها الا بري. وقضى تفاهمهما بالمضي في "اتفاق الرياض" من دون الاخلال ببندين رئيسيين فيه: الاول تأكيد حق المقاومة وعدم اعتبارها ميليشيا، والثاني التشاور والتوافق في القرارات المصيرية قبل طرحها على الحكومة. الا ان "اتفاق الرياض" سقط الاحد 25 كانون الاول، اذ اعتبره السنيورة انه اشبه بـ"اتفاق قاهرة" جديد بعدما كان مقرراً في ذلك اليوم اعلان التفاهم وعودة الوزراء الخمسة عن اعتكافهم. وكذلك صمد اتفاق السنيورة ونصرالله بضعة ايام، عمل خلالها بري من خلال اجتماعاته بالسنيورة والحريري في جدة على منحه فرصة اكبر لإبصار النور متضمناً المبادىء نفسها. بذلك لم يسقط الاتفاق الا عند تحديد موعد اعلانه ومباشرة تنفيذه.

ثانيها، ان اتفاقي الرياض وجدة لم يسقطا الا على ابواب المختارة. وهي اشارة الى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الذي لم يكتفِ برفض العودة الى التحالف الرباعي، وانما قاد حملة مضادة لكل ما انبثق من انتخابات 2005 وصاغ معادلة سياسية جديدة يحاول من خلالها بناء تحالفات المرحلة المقبلة، وهي ان قوى 14 آذار التي ادارت معركة السيادة والاستقلال هي التي ينبغي ان تقرر مصير لبنان وان تمسك بحكمه. وترجمة للحملة المضادة اعاد جنبلاط وصل الجسور المقطوعة مع الرئيس ميشال عون، وقطع قنوات الحوار كلياً مع الفريق الشيعي. ولم يتردد من الغمز في قناة "حزب الله" عندما تحدث عن علاقته بايران، وعن معرفته بالاماكن التي خرجت منها سيارات مفخخة ملمحاً الى انها تقع تحت نفوذ الحزب.

ثالثها، ان التحالف الشيعي يعتقد بوجود تقاسم ادوار بين افرقاء 14 آذار، فما يوافق عليه الحريري يتحفط عنه السنيورة، بحجة استمزاج آراء الشركاء الآخرين في الغالبية الوزارية، والمقصود بذلك الوزراء الذين يمثلون جنبلاط والرئيس امين الجميل والدكتور سمير جعجع. وكان فريق التحالف الشيعي يرفض هذه الذريعة، وحجته انه عقد الاتفاق مع الشريك الرئيسي الذي هو الحريري بصفته زعيم الغالبية النيابية.

رابعها، ان التحالف الشيعي يرى ان ثمة شكوكاً وارتياباً وفقداناً شبه كامل للثقة بالفريق الاخر الذي، في رأيه، يحوط المفاوضات بغموض والتباس. فرئيس المجلس سمع من الحريري في جدة تأييداً لما اتفق عليه رئيس الحكومة والامين العام لـ"حزب الله"، ولمس في الاجتماعات التي عقدها مع المسؤولين السعوديين دعمهم جهود ترميم الوضع الحكومي وعودة الوزراء الشيعة الخمسة المقاطعين مجلس الوزراء منذ 12 كانون الاول الفائت. كذلك بلغت رئيس المجلس تكراراً معلومات مفادها ان الموافقة التي قطعها له الحريري حيال الاتفاقين كان قد أطلع عليها حلفاؤه في قوى 14 آذار.

في خلاصة ذلك كله، ما لم تقع مفاجأة، ثمة أزمة حكومية حرجة ومربكة للجميع.