هآرتس

تصعب معرفة ما إذا كان القرار بسجن 800 ألف فلسطيني في شَمال الضفة عبر التقليص شبه التام للحركة عند الحواجز على المعابر الرئيسية من جنين وطولكرم نحو الجنوب، قد اتخذه المستوى السياسي بعدما أخذ في الحسبان كل تداعيات هذا القرار، أم أنه جاء كما في حالات سابقة كثيرة إذ فرضت مثل هذا العقاب الجَماعي المستويات الميدانية للجيش والشاباك في قيادة المنطقة الوسطى.

لا شك في أن من الأسهل على قوات الأمن ملاحقة المخططين للارهاب والضفة مقسمة، الطرق مغلقة والحركة آخذة في التقلص بما يسمح بسيطرة قصوى على السكان الفلسطينيين. ولا شك أيضاً أن بضع عشرات من ناشطي الجهاد الاسلامي يتجولون في شمال الضفة ويخططون لشن عمليات. لكن السؤال هو هل ان ثمة من تحمل المسؤولية العامة عن الخطوات غير القابلة للتأجيل والتي اتخذت منذ الثاني من الشهر الجاري ضد مجموعة سكانية كبيرة، وتمنع هؤلاء السكان من أن يعيشوا حياتهم الصعبة أصلاً.

منذ بداية الشهر الجاري والضفة مقسمة عملياً الى ثلاث مناطق تحول كل واحدة منها على حدة الى سجن كبير للفلسطينيين. فقد أفادت نساء "محسوم ووتش"، منظمة حقوق الانسان التي توجد دوماً عند حواجز الدخول الى نابلس، أنه جرى في الأسابيع الأخيرة منع جارف لدخول الفلسطينيين الى نابلس عبر حواجز حواره وبيت ليفا، مثل دخول الطلاب من منطقة طولكرم لتقديم الامتحانات داخل المدينة. والدخول الوحيد المنظم الى نابلس يحصل من الشرق، يحول الرحلة من طولكرم الى نابلس الى رحلة غير مجدية، خاصة وأنها تحصل على طرق غير صالحة وليس عبر الطرق الفخمة المخصصة للمستوطنين فقط. كما أن الانتقال من نابلس وجنين جنوباً الى رام الله والقدس متعذر أيضاً.

هل أن تقسيم الضفة الغربية الى ثلاثة أقسام يكون التحرّك بينها عبر الحواجز رهن نية الجيش الاسرائيلي الحسنة، إضافة الى تقسيم الضفة عبر الجدار الفاصل، هو وسيلة حذر موقتة أم جزء من خطة طويلة الأمد؟ هذه السياسة التي تُسمى "العزل" استُعملت في الماضي وسيلة منع في فترات النشاط الارهابي المكثف والمتواصل داخل مناطق الخط الأخضر، لكنها استُخدمت دوماً لفترات قصيرة ومحدودة. لكن هذه المرة يبدو أن المدة طويلة وثمة قيود على الحركة تُفرض بخطورة أشد.

لا يستطيع إيهود أولمرت أن يختفي طويلا وراء "وزرة" ارييل شارون الكبيرة دون أن يعطي توضيحات مريحة حول الخطوات التي تتخذها حكومة اسرائيل. وينبغي لأولمرت أن يقرر ما إذا كان العقاب الجماعي للفلسطينيين هو الرسالة السياسية التي يريد بثها الى العالم، تجاه المراقبين الذين سيصلون هذا الأسبوع للاشراف على الانتخابات في السلطة الفلسطينية، وتجاه أوروبا وأميركا، ولا سيما تجاه الشعب الفلسطيني الذي قد يفقد كل بصيص أمل لمستقبل أفضل.

لا يمكن للشاباك والجيش الاسرائيلي إملاء السلوك السياسي لأولمرت، كما أن غياب حل تكتيكي لارهاب الجهاد لا يمكنه أن ينعكس بشكل خطير جداً على حياة مئات آلاف الأشخاص الذين يحاولون الوصول الى أماكن عملهم، الى دراستهم، الى المستشفيات التي تخدمهم.

إن الرابح من هذا التفاقم الجارف هو حركة حماس التي ستوجه كل الألم والاحباط تجاه الصناديق في يوم الانتخابات.