يدعيوت أحرونوت/موشيه العاد

في بداية السبعينات، كانت الادارة الأميركية في معضلة صعبة. فمنظمة التحرير، التي كانت تُعتبر حينها منظمة إرهابية ملاحقة والتي تلقت هزيمة قاسية في الأردن في "أيلول الأسود"، انتقلت إلى لبنان وتأرجحت بين الانهيار المهين وبين الشروع في العمل السري. وخشيت واشنطن من أن انتقال المنظمة إلى العمل السري سيتسبب بتطرف نشاطاتها تجاه الولايات المتحدة وأوروبا، وشيئاً فشيئاً بدأت تقيم معها اتصالات بخصوص امكانية توجهها نحو المسار السياسي. وكانت النتيجة أنه فيما كانت الولايات المتحدة تشجع اسرائيل على محاربة ارهاب منظمة التحرير من دون هواده، التقى ممثلون أميركيون غير رسميين وبأمر من وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر، مع رجال ياسر عرفات، وأجروا معهم مفاوضات سرية لسنوات طويلة. ويبدو لي أننا نشهد اليوم ظاهرة مماثلة من الحركة الأميركية المتعرجة التي تفتقد إلى الخجل والعوائق، والتي ستنتهي على ما يبدو باعتراف أميركي بحماس.

من الجدير بكونداليسا رايس وطاقمها، اللذان يعتقدان أن الانتخابات في المناطق الفلسطينية تشكل عنصراً ممهداً للديموقراطية، وبأن نجاحها ـ وإن بثمن التنازل لحماس ـ سيدفع "خارطة الطريق" قدماً وعملية السلام لاحقاً، يجدر بهم الالتفات إلى الملاحظات الخمس التالية: "الولايات المتحدة تعتقد أنه يتعين اجراء انتخابات ديموقراطية في المناطق الفلسطينية" لكن في انتخابات رئاسة السلطة الفلسطينية والمجلس التشريعي الفلسطيني سنة 1996، أكثرت الحملة الدعائية الفلسطينية من مهاجمة اسرائيل بادعاء أنه "لا يمكن اجراء انتخابات في ظل فوهات البنادق". واليوم يشتكي أعضاء لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية من أنهم لن يصفحوا أبداً عن العصابات التي تنشر الفوضى، والتي جعلتهم يشتاقون للجيش الاسرائيلي. وهم يعترفون بخجل أنه "حينها ربما جرت الانتخابات في ظل فوهات البنادق، أما اليوم فإن فوهات البنادق تُبين لك اتجاه السير الى صناديق الاقتراع".

"يتعين مساعدة أبو مازن للفوز في الانتخابات". الدرس المر والمعروف الذي لم يتعلمه الغرب هو أنه عندما تتدخل جهات خارجية لصالح هذا الطرف أو ذاك ـ فإنها تقوم عملياً بإضعافه، لأنها تعزز قوة الطرف الثاني من دون أن تقصد ذلك، لكن اذا كان القصد الأميركي هو التسبب في تعزيز حماس بطريقة غير مباشرة، فهذا يعني أننا نفهم جيداً هدف السيدة رايس. ذلك أنه ما الذي يتعين حصوله كي تدركوا أن أبو مازن، فتح والمجتمع الفلسطيني كله يمرون في واحدة من اللحظات الصعبة، وأن ممارسة الضغوط الآن تحديداً لاجراء "انتخابات ديموقراطية" بدل الانشغال مثلاً في الترميم المدني، الاقتصادي والاجتماعي، مثله كمثل صب الزيت على نار الفوضى؟

"يتعين السماح باجراء حملة انتخابية في شرقي القدس كجزء من العملية الديموقراطية". تعليقاً على هذا المطلب نقول: من حفر حفرة لأخيه وقع فيها. فأبو مازن يرغب كثيراً في ارجاء الانتخابات، لأنه مثل الجميع، يتوقع تعزز قوة حماس ويخشى من نشوء برلمان فلسطيني اسلامي ـ رايكالي ـ معارض، ينسف كل قراراته. واقتناعاً منه بأن اسرائيل لن تسمح بأي نشاط في شرقي القدس، ألقى رئيس السلطة الى الفضاء تهديداته بشأن ارجاء الانتخابات، وهي تهديدات يبدو أنها أخافت الأميركيين فقط، فسارع هؤلاء الى احتضانه، وهو سيواصل الآن تراجعه مضموماً بين أذرع رايس.

"الولايات المتحدة لن تسمح لحماس بممارسة النشاط لأنها منظمة ارهابية". هذا صحيح، ففي القدس الشرقية لا تجري تجمعات ومهرجانات لحماس، بل يقوم بذلك "حزب التغييروالاصلاح"، فقط. ففي نظرة الادارة الأميركية ، ابراهيم أبو سالم ووائل الحسيني، وهما من مرشحي حماس في منطقة القدس، ليسا ممنوعين من اجراء حملة انتخابية من أجل انتخابهما طالما أنهما يعملان لـ"التغيير".

في المستقبل القريب ـ الجزية. لا اعتقد أنه ثمة احد في قيادة الادارة الأميركية أو في الكونغرس لم يقرأ أو يسمح بالمقابلة الفضائحية التي منحها عضو بلدية بيت لحم عن حماس، حسام المسالمه، الى الصحيفة النيويوركية الواسعة الانتشار "وول ستريت جورنال" في 23 كانون الأول. فقد صرح المسالمه المسلم، الذي يوجد في مجال مسؤوليته البلدية عشرات آلاف المسيحيين، انه ينوي تطبيق الجزية في يوم من الأيام، وهي الضريبة الاسلامية المهينة، وأضاف: "نحن نقول هذا الأمر علناً ـ نحن نرحب بكل من يريد السكن في فلسطين، لكن شرط أن يوافق على العيش بشروطنا". ولا شك في أن هذا ما سيحصل بعد عدة خطوات ديموقراطية في ارجاء السلطة.