ياسر الفهد/المستقبل

كيف نصف الحالة الكئيبة التي يحياها العرب اليوم بكل ما تحفل به من ويلات ونكبات... هل هي ناجمة من تخلّف مزمن لا مناص منه ولا حيلة لنا به ولا سبيل للفكاك منه، أم أنها عجز موقت قد نستطيع كسر أسواره والصعود تدريجاً من قاعه السحيقة؟. تساؤل صعب ومحيّر، وقد يكون من أهم التساؤلات التي يجدر بنا التعامل معها والإجابة عنها. ومن الخطأ الفادح أن نقبل بالنظريات التي تزعم أن العرب متخلّفون بالفطرة وبالوراثة نتيجة لحياة البداوة التي نشأوا في أحضانها منذ رؤيتهم نور الحياة في الجزيرة العربية، فهذا أمر مرفوض ولا يمكننا الإقرار به من الناحية النفسية، أو حتى من الوجهة الواقعية، وتشهد على ذلك الانتصارات العربية الغابرة والتراث المجيد اللذان ينفيان تهمة التخلّف الفطري المتأصل في الجذور. وبتعبير آخر، لو كان العرب متخلّفين بالوراثة لما ضربوا بأسهم وافرة في مجال الفتوحات الباهرة والتقدّم العلمي في غابر الزمان. وهذا أيضاً ينطبق على المسلمين. وقد كان من المفروض أن تتوسع النجاحات وتتنامى، ولكن من المؤسف أن العكس هو الذي حدث نتيجة لأسباب وعوامل عديدة لا حصر لها، مثل التركة الاستعمارية وإنشاء دولة إسرائيل والأنظمة التي لا ترعى مصالح الشعوب. وهذا كله يدعونا إلى ترجيح الفكرة القائلة بأن ما نعانيه في الوقت الحاضر ناجم من العجز الآني أكثر من التخلّف المزمن، مما يفتح بعض منافذ الأمل في إمكانية مواجهة النكسات الحالية وتحويل مسارات إخفاقاتنا الموقتة وإيقاف التدهور الذي ننزلق إلى أعماقه، ومن ثم البدء بمرحلة جديدة أكثر إشراقاً. ولكن هذا إن حدث، سيتم خلال فترات طويلة جداً من الزمن، لأن حالة الشلل التي نتمرغ حالياً في أوحالها، وتجثم بقوة وعناد على كواهلنا، أكبر بكثير من أن نتمكن من حلها أو التخفيف من حدتها بين ليلة وضحاها، أو حتى خلال فترة منظورة من الزمن كما يبدو لي، فهناك اليوم إخفاقات وهزائم وتراجعات وخيبات أمل عديدة يستحيل مواجهتها دفعة واحدة. وإذا حاولنا تقصّي العوامل المسؤولة عن هذا الوضع البائس، نجد أنفسنا أمام قائمة عريضة من الأسباب مثل غياب الديموقراطية وانتشار الفساد والتطرّف والمذهبية والطائفية والنزعة الفردية الأنانية عند الإنسان العربي وعدم الثقة بين الحاكم والمحكوم والاقتتال العربي وغياب التضامن الحقيقي وغير ذلك من السلبيات التي تختلف نسبتها بين قطر عربي وآخر.

وأعتقد أن نقطة البداية في المواجهة يجب أن تكون شعور كلّ فرد وكلّ دولة عربية بأنها المسؤولة عن مواجهة المشكلات. ولا بد من لجم النزعة الفردية الأنانية عند كل مِنّا، والاستعاضة عنها بروح جماعية غيرية. وهذا لا يتم على الوجه الأكمل إلا في ظل الديموقراطية والإعلام الحر الموضوعي القادر على تغيير العقلية العربية التقليدية، وتحويلها إلى عقلية حديثة تتناغم مع مستجدات العصر. لقد أصبحنا أكثر من أي وقت مضى بحاجة إلى استبدال الكثير من الأفكار والسياسات العربية الروتينية بأخرى جديدة غير معهودة.

كما لا بد من وقف المبالغة في إطلاق الشعارات الوطنية الجميلة والمثيرة للعواطف، على حساب الأفعال العملية المؤثّرة. وما ذكرناه هنا مجرد لمحات عابرة وقطرات ماء في بحر عميق، والباب مفتوح أمام المفكرين والكتّاب للإدلاء بدلائهم في هذا المجال.

وأخيراً، يمكننا الخلوص إلى النتائج الآتية:

ـ إن ما يرزح العرب اليوم تحت أوزاره، يبدو ناشئاً عن عجز وسوء تصرّف وجمود فكري موقت، أكثر منه تخلّفاً دائماً.

ـ إصلاح العجز الحالي يحتاج إلى أفعال كثيرة في الأجلين القريب والبعيد.

ـ إن أهم ناحية يجب أن نعيها هي أن توفير الحرية ومحاسبة كل دولة وكل إنسان لنفسه، أهم بكثير من إلقاء اللوم على الأعداء. فنحن بضعف بنيتنا التحتية والفوقية مسؤولون عن عدم القدرة على مواجهة هؤلاء الأعداء مهما كانت هوياتهم ونياتهم.