عبدالله اسكندر/الحياة

اتصال، او اتصالان على الاكثر، من الادارة الاميركية برئاسة الحكومة الاسرائيلية كان كافيا لحملها على السماح للمقدسيين بالمشاركة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، بالشروط المعروفة. وبغض النظر عن الاغراض الاميركية وراء المسعى، فإن ذلك يظهر، مرة جديدة، ان الولايات المتحدة قادرة على التأثير في القرار الاسرائيلي عندما تريد، ولا تقف الحرب على الارهاب عائقا امام هذا التأثير. ولذلك تقع عليها، لكونها قوة كبرى وحاملة لمشروع الديموقراطية، مسؤولية عدم الاستجابة الاسرائيلية لمتطلبات السلام والحل السلمي للنزاع العربي - الاسرائيلي.

وفي مثل هذا الاستنتاج يمكن فهم تقدم الاطراف الاكثر ضجة في نقدها للسياسة الاميركية في اي استحقاق انتخابي في المنطقة، وليس تلك الساعية الى بلورة قواعد داخلية للعبة الديموقراطية وما يتصل بها من تركيز على القضايا الداخلية. واذا كانت الاصوليات هي التي تستفيد من واقع السياسة الاميركية، لكونها تشكل مادة التحريض والتعبئة، فان انتفاء الحل العادل للنزاع مع اسرائيل يقوض مساعي الديموقراطية، بعدما انتج نظم الحكم العسكرية التي كرست الاستبداد وانهت الحريات السياسية والاقتصادية على السواء.

لقد اوقعت السياسة الاميركية القوى الليبرالية والديموقراطية في فخ الانتخابات. اذ انها اسقطت من يديها القدرة على المنافسة في موضوع الحل السلمي (بدليل إهمال كل المبادرات العربية)، والقدرة على المنافسة في موضوع الاقتصاد الذي لا ترى فيه اميركا الا الجانب التي يهمها منه. وإن ذلك لا يعني ان الادارات الحالية في الدول العربية تقوم بافضل الممكن من اجل الديموقراطية والرفاه والتقدم، وإنما يعني ان قوى التقدم الفعلية محرومة، بفعل كل هذه العوامل، من القدرة على منافسة الاصوليات والقوى الحاكمة. وفي هذا الاطار ينتفي عن «العداء» العربي والاسلامي للولايات المتحدة وسياساتها صفة صراع الحضارات والاديان، كما يرغب متطرفو الادارة الاميركية والاصوليون العرب في ترويجه. وتصبح الانتكاسة الاميركية في المنطقة، بما في ذلك تراجع القوى الليبرالية، مرتبطة بعدم تلبية السياسة الاميركية لتطلعات الحل العادل والعيش الحر الكريم.

ومثل هذه الانتكاسة تتلقاها ايضا الولايات المتحدة في حديقتها الخلفية، اي اميركا الجنوبية. لقد رعت واشنطن لعقود نظما عسكرية ديكتاتورية في غالبية دول القارة. ومع انقضاء المرحلة الانتقالية بين هذه النظم والديموقراطية، يرفع الناخبون في الدول اللاتينية القوى التي تجهر بمعارضتها للسياسات الاميركية الى سدة الحكم. وهنا، لا يمكن الحديث عن عداء حضاري او ديني، وانما يمكن التأكيد ان غالبية الناخبين ترغب في استعادة حريتها التي حرمت منها طويلا، بفعل العلاقة الاميركية مع النظم العسكرية السابقة وبفعل عمليات الاستغلال الفالت من كل عقال ومحاسبة للشركات الاميركية التي تحميها هذه النظم.

واذا تسارع انهيار حلفاء الولايات المتحدة، عبر الانتخابات في دول اميركا اللاتينية، في ظل الادارة الحالية، فذلك يعكس فشل سياستها وليس احتدام صراع الحضارات والرغبة في تقويض المبادئ الاميركية، وهي الحجة التي لا يتوقف المحافظون الجدد عن تردادها في منطقتنا.