النهار/سركيس نعوم

واضح جدا لكل من يتابع الاعلام المحلي والاقليمي والدولي ان العلاقة المتردية بين سوريا والولايات المتحدة اساسا ازدادت سوءا على نحو كبير رغم كل التحركات التي قامت بها في الاسابيع الاخيرة جمهورية مصر والمملكة العربية السعودية. واهم دليل على ذلك وابرزه البيان الذي اصدرته وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس الاسبوع الماضي والكلام المدروس الذي قاله مساعدها لشؤون الشرق الاوسط ديفيد ولش اثناء زيارته القصيرة للعاصمة اللبنانية اواخر ذلك الاسبوع. ومن الطبيعي في حال كهذه محاولة معرفة آخر تطورات الموقف الاميركي من سوريا من عدد من مصادر المعلومات المطلعة في واشنطن. اولا، لغرض مهني. وثانيا، لاعطاء المعنيين به صورة واضحة عنه كي لا يقعوا في خطأ تفسيره او تبريره وفقا لاقتناعات كل منهم ومصالحه.

الى ماذا ادت هذه المحاولة؟

ادت الى الحصول على المعلومات الآتية:

اولا، نجحت الادارة الاميركية برئاسة جورج بوش في وضع القيادة السياسية السورية العليا حيث تريد اي في خانة الـ "يك" بلغة لاعبي طاولة النرد. ولا يمنعها ذلك من الاستمرار في التحرك بغية التملص من الضغوط الاميركية والدولية. لكن تحركها سيبقى محدودا ضمن الدائرة او الخانة التي وضعت فيها. كما ان محاولة الخروج لن تكون سهلة على الاطلاق اذ ستواجه بكثير من المواقف والتطورات التي يمكن ان تحبطها او بالاحرى ستحبطها.

ثانيا، تعتمد الادارة الاميركية برئاسة جورج بوش حاليا في مواجهتها مع سوريا وقيادتها السياسية العليا سياسة الاعتماد على جهات ثلاث. الاولى، المنظمة الدولية وخصوصا مجلس الامن فيها. والثانية، لجنة التحقيق الدولية ورئيسها الجديد سيرج براميرتس. والثالثة، فرنسا وسائر الحلفاء في الاتحاد الاوروبي. فهذه الجهات تقوم بالمهمة المطلوبة حاليا. اما دور الادارة الحالي كما حدده اركانها فهو الاستمرار في طمأنة اللبنانيين الى ان اميركا وحلفاءها لن يجروا اي صفقة مع احد وخصوصا مع سوريا على حساب بلادهم. وهو ايضا منع اللاعبين السياسيين اللبنانيين الكبار من تدمير بلادهم ومن تدمير انفسهم من خلال سياسات فئوية وخاصة لا تؤمن مصالح لبنان ولا تحميها بل تضر بها وتقوضها.

ثالثاً، لا تعني المعلومات المفصلة اعلاه ان الادارة الاميركية ستكتفي بالتفرج على حلفائها وهم يساعدون لبنان او برعاية اللبنانيين كي لا يسيئوا الى بلادهم مرة جديدة، بل هي تؤكد ان الادارة المذكورة ستحمل عصا كبيرة وستلوح باستعمالها في وجه كل الجهات التي تعمل على ضرب الوضع اللبناني لمصلحة سوريا او غيرها. واذا اضطرت فانها ستستعملها. وهي تنطلق في حملها هذه العصا من اقتناعها بان التحرك الدولي الذي تعتمد عليه مهم جدا لكنه يحتاج الى عصا كهذه كي يتمكن من القيام بمهمته في ظل المهارة السورية في المناورة والمماطلة.

رابعا، لن تقدم الادارة الاميركية الآن على الاقل الى "توظيف" الحركة الانشقاقية التي قام بها النائب السابق للرئيس السوري عبد الحليم خدام من باريس قبل مدة قصيرة سواء بالاتصال به او باقامة عمل مشترك معه. لكنها ستحاول الافادة منها قدر المستطاع لتحقيق اهداف عدة منها مساعدة لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ومنها ايضا زيادة الضغوط على سوريا وقيادتها السياسية العليا بغية "اقناعها" بالتجاوب التام وفي اكثر من موضوع بعد طول ممانعة.

خامسا، لا تزال سوريا "اولوية" اذا جاز استعمال هذا التعبير للولايات المتحدة. لكنها لم تعد الاولوية الاولى دوليا واقليميا. فالاولوية الاولى اليوم هي للعراق والثانية هي للجمهورية الاسلامية الايرانية. اما سوريا فقد صارت في الاولوية الثالثة. والسياسة التي تعتمدها الادارة في واشنطن حيال الاولويتين الاوليين هي نفسها التي تعتمدها حيال سوريا اي الاعتماد على المجتمع الدولي لمعالجتهما مع الوقوف خلفه مع العصا الغليظة لمساعدته وقت الحاجة.

هل هناك اتصالات جديدة بين دمشق وواشنطن بغية اخراج العلاقة بينهما من حالها البالغة التردي؟

الاتصالات لم تنقطع، تجيب مصادر المعلومات المطلعة في واشنطن نفسها. لكن معظمها يتم عبر الاقنية الديبلوماسية اي من خلال السفارة الاميركية في دمشق رغم غياب السفيرة مارغريت سكوبي عنها منذ اشهر وربما من خلال اقنية ديبلوماسية اوروبية متنوعة، ولا يبدو ان هناك خططا الآن لاتصالات ولقاءات على مستويات رفيعة بين دمشق وواشنطن، علما ان التطورات قد تخلق فرصا لاتصالات من هذا النوع. والسبب الاساسي لذلك اميركي. فرجال الادارة الاميركية واركانها على تنوعهم قد يكونون قاربوا الوصول الى مرحلة اليأس من ايجاد لغة مشتركة مع سوريا يمكن ان تطلق حوارا منتجا وجديا. فهم يعتقدون وقياسا على تجارب الماضي ان الرئيس السوري بشار الاسد يستمع بتهذيب شديد الى ما يقوله الموفدون الاجانب والعرب اليه وان لم يعجبه. لكنه لا يمتنع عن متابعة تنفيذ سياسته التي يعتبرون انها المشكلة. وهم يعتقدون ايضا ان اللقاءات وان صريحة التي تتم بين هؤلاء الموفدين مع مسؤولين كبار في الادارة السورية غير مجدية لان هؤلاء المسؤولين لا ينقلونها بحرفيتها الى رئيسهم اذا كانت لا تعجبه في رأيهم اي اذا كانت تتعارض مع سياسته.