الكفاح العربي/سعاد جروس

ما أثلج الصدور في عز الشتاء القارس في هذه الأيام, تصريح رئيس مجلس الشعب السوري العنيد الذي قرأناه في موقع «سيريا نيوز» بأن: أياً من أعضاء مجلس الشعب لم يتقدم بالبحث في أي قضية فساد, وأن عليهم أن يتفضلوا ويقدموا ما لديهم من أضابير ويشمروا عن عضلاتهم أمام من انتخبوهم.

محط الإعجاب هنا, ليس استجابة رئيس المجلس بسرعة فائقة, لم تستغرق سوى ستة أشهر لطلب رئيس الجمهورية الإسراع في وضع آليات لمحاربة الفساد خلال المؤتمر القطري العاشر, بل في تحديه لأعضاء مجلسه الموقرين بأن يشمروا عن عضلاتهم أمام من انتخبوهم, وكأنه لا يعلم أنهم إذا لم يكونوا بارعين في شيء, فهم بارعون دون شك في استعراض العضلات في الجلسات المفتوحة والمغلقة, فما بالنا أمام من انتخبوهم!! بل أن لا منافس لهم في ذلك على الإطلاق, بشهادة الجلسة التي بثها التلفزيون السوري, وخصصت لتفنيد تقرير ميليس, والتي أثبتت قدرتهم في تجاوز المرحلة الببغائية والقفز منها إلى المرحلة الديماغوجية. فأعادوا ما جاء في بيان وزارة الخارجية حول التقرير مملحاً مبهراً بألفاظ عنترية, ارتعدت من هولها فرائص الإمبريالية العالمية, ولم تقل عنها الجلسة التاريخية التي خصصت للهجوم على النائب المنشق خدام, فتابع السوريون وأشقاؤهم العرب وأصدقاؤهم العجم على الهواء مباشرة أعنف عرض للعضلات في تاريخ البرلمان السوري, في خطب نموذجية أسقطت لقب السيد عن اسم الفاسد المارق في حفلة ردح نارية, فلم يبق قلم داخل سوريا وخارجها إلا واستنفر حس السخرية واستهزأ بهذه الهبة المضرية, عدا رد فعل الشارع الذي فوجئ بالصحوة المتأخرة جداً لمجلس «النوام» كما يحب أن يغنجه السوريون.

الاستياء لم يكن من محاولة البعض في المجلس تنظيف ايديهم بخدام أو من خدام وحسب, وإنما من تنطح «النوام» لممارسة دور أم رؤوم أقلقتها فعلة الخائن, وخافت على صغارها الذين طار النوم من عيونهم من هول فجيعتهم بالنائب السابق, فراحت تهدهدهم لتعيدهم الى سباتهم الآمن والعميق:

يا لله ينام يا لله ينام

لا دبحلك عبد الحليم خدام

روح يا خدام لا تصدق

عم أكذب عَ الشعب السوري حتى ينام .

مجلسنا الصاحي اليوم, يعتقد أن كل من حوله نيام, وهذا طبيعي بعدما نفض الشعب يديه من مجلس استبدل قضايا المواطن الأساسية, بمتابعة الشكاوى والشكاوى من الشكاوى, وتأمين الواسطات والتصديق برفع الأيدي وهز الرأس بالإجماع... على مشاريع القوانين العابرة للطاولات. طبعاً بالإضافة لأكثر المهمات مشقة من شرب الشاي إلى تبادل التحيات مروراً بالابتسامات والنكات في الاستراحة بين الجلسات.

الآن ارتأى رئيس المجلس, نزولاً عند إلحاح الشارع ربما, أن يشمر الأعضاء عن سواعد الجد لمكافحة الفساد؛ على عيني وراسي والله, مئة طلب مثل هذا الطلب ولعيون الشعب, من الغد إن شاء الله ستبدأ موالد مكافحة الفساد وسنسمع العجب العجاب, وسيعاد على مسامع الشعب الكريم ما حفظه عن ظهر قلب كل ما قيل ويقال عن الفساد والفاسدين, طبعاً مع تجنب ذكر الأسماء, إذا لم يقترن ذلك بأدلة وإثباتات وقرائن لا تقبل الطعن, كأن الفساد في بلادنا يترك خلفه أثراً ولا يستفيد من ثغرات في القانون, قد تصبح مغارات. أو كأن ذكر الفاسدين بالأسماء سيفسد للود قضية, فلا تنتهي القصة مهما تصاعدت حيثياتها بالأحضان وتبويس اللحى, كما حدث أكثر من مرة في مجلسنا الموقر, أو كأن استدعاء مجلسنا المظفر لأي مسؤول مجاب مستجاب!!

وبما أن الحديث سيجرنا إلى «الآليات». فكما علمنا أيضاً من المصدر ­ سيريا نيوز ­ أن كل قضايا الفساد معلقة في المجلس بانتظار الآليات, علماً أن العديد منها جرى اقتراحه, ولم يتم الوصول الى آلية محددة!! إذاً القضايا المكومة في غرفة غسيل المجلس, والتي بحاجة لآلة ما, لغسلها أو لإزالتها, في انتظار قرار الأعضاء أي آلة من الآليات يحتاجون سواء كانت مخباطاً ثقيلاً مخصصاً للغسيل الوسخ أو غسالة ديجتال تزيل البقع العنيدة, أو ربما بلدوزر يهدم أعلى كومة متحجرة. خلالها على الشعب أن ينتظر بدوره, وعلى الفاسدين الاسراع بتصفية أعمالهم وتهريب أموالهم, وإعداد أجندة للاتجار بخياناتهم. وعندها, يصبح حل المشكلة أسهل, وقد تحل من تلقاء نفسها, مع تبخر كومة القضايا مع أصحابها في الأثير الأوروبي, وربما ظهورهم فيما بعد على الأثير الفضائي. حينئذ لن يحتار مجلسنا الأشم باختيار الآلية, فليس هناك ما هو انسب من آلية «الأثير» السالفة والتي أثبتت نجاعتها, وهي دون مبالغة على الرغم من خفتها, أشبه بمدحلة كبرى تسوي كافة القضايا مع الأرض, وتفتح صفحة جديدة مع انتخابات جديدة, ومرشحين ببرامج أجدَّ وأجدى من فرط جدتها وتجددها, لا تحلي الأصوات بتوزيع البقلاوة والشكولاته, وترطبها بدمعة قهوة مرة, بل بأقوى البرامج الانتخابية, حلقات دبكة موسعة تشمل كل شرائح الشعب شيباً وشباناً مع وجبة «فاست فود» وعلكة بالون وجل معقم للأيدي «تاتش», بما أنه كله عند العرب صابون, تحت شعار لا فساد ولا من يفسدون, وهذه عضلاتنا المفتولة تشهد, إن كنتم لا تدرون.