شام برس/عمر عبد الحميد

كنت أتجادل مع غرفة الأخبار حول زيارة السيد الرئيس إلى قطر ,وكان هناك من بدأ يخمن سير المباحثات ,والبعض من الصحفيين بدأ يرسم سيناريوهات لصفقات يمكن أن تتوسط بها قطر ,ولم يكن غريبا أن يطرح البعض أن سورية محاصرة ومحصورة وتلجأ لقطر في محاولة لفتح نافذة تساعدها ......

وبينما كنا نتجادل هذا الجدل وإذا بهاتفي الجوال يرن وإذا بصديق يهاتفني من الدوحة ويبادرني بلهجة حماسية وندفعة:(اسمع يا صحفي زمانك ....قبل دقائق كنت مع السيد الرئيس )صعقت لأن صديقي مجرد محاسب عادي ودهشت لأن جملته وهاتفه أتاني وأنا ونحن نبحث قضايا مصيرية كبيرة عن زيارة الرئيس ......وقبل أن أرد عليه أكمل صاحبي متحملا تكاليف مكالمة خارجية ,أكمل :(كنت اليوم بالمول "السوق" وإذا بالرئيس يدخل وهو يضع نظارات سوداء وقد دخل بشكل بسيط , ويبدو انه كان يظن أن الناس لن تعرفه ...لكنني عرفته وبدون تفكير تقدمت منه وصافحته وسلمت عليه ....ولم يكد سيادته أن يسألني كيف عرفته حتى تجمع الناس والكل عرفه وصافحه وسلم عليه.....)

وبفرحة منطلقة ...حسم صديقي الأمر لشأن عاجل ,قال صديقي (سَكِر, سَكِر ....برجع بحكي معك ... برجع بحكي معك)...

شردت مفكرا, ولم أفهم ,ربما أراد صديقي أن يستغل زيارة السيد الرئيس ليمازحني أو .....ربما ...ولأقطع الشك باليقين اتصلت بزملائي في الدوحة لأفهم إن كانوا على علم بشئ ,فرد علي أحد الصحفيين المصريين , وراح يكمل لي رواية صديقي :( إن زيارة رئيسكم إلى الدوحة هي زيارة خاصة , زيارة عائلية الرئيس السوري لعائلة الأمير القطري ...) وفهمت من الزميل المصري أن الزيارة هي عبارة عن إجازة أراد الرئيس أن يقضيها في الدوحة ...لذلك راح زميلي يشرح أكثر :( الظاهر أن رئيسكم استبدل المنتجعات الفاخرة في أوروبا وآسيا , استبدلها ببساطة الصداقة وعفوية الود في الدوحة ...)

زميلي هذا ,صحفي مصري من أذكى العاملين في الصحافة السياسية , ومتابع ناقد للسياسة السورية , ودائما عنده تحفظات أو آراء مخالفة , ولكنه فاجأني هذه المرة بتحليله حيث تابع مكالمته :( ...اسمع....القطريون والمقيمون العرب تعرفوا على الرئيس بشار وهو يتمشى مع عائلته على الكورنيش وتابعوه وهو يذهب إلى الفندق سيرا على الأقدام ... ولأن الدوحة مجتمع عائلي فقد سرت قصص زيارة رئيسكم وتحركاته مع زوجته وأولاده , والكل يتحدث عن بساطة هذه العائلة..) ...سألت زميلي مقاطعا :( برأيك هل هناك اتفاقات سياسية أو هل هناك صفقات أو....الخ!!)

ضحك زميلي بعمق وثقة ....وأجابني ساخراً من سؤالي :

(ألعن ما سببته الفضائيات إنها جعلت السياسة سطحية ومقتصرة على الصفقات السياسية , أو التحالفات العسكرية أو الضغوط والتهديدات ....السياسة يا فهيم هي الحياة ... إجازة رئيسكم ونزهته مع عائلته , وتمشيته على الكورنيش وزيارته للأسواق حيث الناس ... وجولاته في الدوحة ...هي في عمقها سياسة ... وبرأي فإن ما بدا على بشار من ارتياح وتواصل مع الناس هو الساسة بعمقها ومعناها ...ولو وضعت كل هذا مقابل التحركات الدولية والضغوط الأمريكية والروايات التحليلية الإعلامية ....لو وضعت إجازة الرئيس بشار مقابل كل ذلك ، لفهمت أن ارتياح الرئيس وعفويته هو سياسة تعبر عن حال سورية .... وعن معناها ...)

قلت لزميلي النزق :( ما قصتك ...هذه المرة لا تنتقد سورية وسياستها ..) وبثقة وحزم رد علي :( السياسة أقوى من النزق وذكاء الموقف لا تترك للنقد أي مجال ...)

وبلهجة مصرية منطلقة ختم حديثه :( أبشر يا عم ده النموذج السوري بقى ....والحدق يفهم)....