شعبان عبود - أبيض وأسود

فرضت الأزمة السورية اللبنانية في الآونة الأخيرة جملة من التحركات العربية بغية المساعدة، ما أمكن، في تخفيف بؤر التوتر بين البلدين، وكلنا يذكر المبادرة السودانية المدعومة من الجامعة العربية وعدة دول عربية كالسعودية ومصر والجزائر وغيرها، كذلك نذكر مبادرة الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى والتي أتت في أعقاب التصعيد على خلفية اغتيال النائب والصحفي اللبناني جبران تويني، إلا أن مصير هذه المبادرات كان التلاشي بعد مواجهتها من قبل أطراف لبنانية بالتشكيك، حيث رأوا فيها محاولة (تقف وراءها دمشق لإنقاذ سوريا من الضغوط التي تواجهها) الأمر الذي بدده موسى في أكثر من مرة، حين أكد أن مبادرته انطلقت من نوايا حسنة لإطفاء البؤر المشتعلة كل يوم في العلاقة السورية اللبنانية، وحين أكد أن مبادرته انطلقت بعد (ضوء أخضر ومشاورات مع بعض القادة العرب).

ومؤخراً حصلت تطورات مشابهة عقب الجولة السريعة التي قادت الرئيس بشار الأسد إلى كل من السعودية ومصر والتي سبقها زيارة مفاجئة قام بها وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل إلى دمشق، وعلى الفور بدأت جملة من شكوك بعض الأطراف (اللبنانية) من أن تنتهي تلك اللقاءات (بصفقة) لغير صالح هذه الأطراف، وقيل أن الرئيس الأسد طرح خلال جولته (أفكاراً سورية) لتحسين العلاقة السورية اللبنانية. الأمر الذي استدعى أيضا جملة من المخاوف والشكوك، عبر عنها النائب اللبناني سعد الحريري الذي حصل من باريس وواشنطن والرياض على تطمينات بعدم وجود (صفقة).

وللحقيقة فإن الأفكار التي جرى تداولها في بعض وسائل الإعلام اللبنانية والعربية حول نتائج زيارة الرئيس بشار الأسد إلى جدة وشرم الشيخ كانت أفكاراً (سعودية سورية) مشتركة وليست سورية فقط، كما جرى تداولها إعلامياً.

وبالطبع فإن الأزمة المتفاقمة داخل لبنان والتوتر الذي يشوب العلاقات السورية اللبنانية سمحا بعودة زخم الدور العربي، وذلك نتيجة الإدراك المتزايد لكل من (مصر والسعودية) للتداعيات الخطيرة المحتملة لذلك على الصعيد الداخلي اللبناني، وعلى صعيد المنطقة واستقرارها، وهذا ربما يفسر مبادرة الملك السعودي إلى إيفاد وزير خارجيته سعود الفيصل إلى دمشق في وقت مبكر هو الثامنة صباحاً حيث يتضح أن الفيصل كان في سباق مع الزمن لدرء خطر محدق قد تمتد آثاره إلى المنطقة بأسرها.

واتضح لاحقاً أن المسالة لا تتعلق بأفكار سورية محضة، بقدر ما كانت أفكاراً عربية وقفت عند الحال التي وصل إليها العرب نتيجة تردي الأوضاع وغياب التضامن العربي، ومن ثم مخاطر نشوء بؤر توتر جديدة وخصوصاً في لبنان بعد العراق وفلسطين.

إن هذه الأجواء تعيدنا، أو ربما تطرح التساؤلات عن حقيقة ما يجب أن يكون عليه المثلث (السوري السعودي المصري) وعن طبيعة دوره والغاية منه، وهل حقاً تبدو الغاية من التحركات الأخيرة التي تقوم بها كل من السعودية ومصر لحل بعض المواضيع الخلافية بين سوريا ولبنان، من أجل إنقاذ وحماية النظام السوري كما يطلق البعض؟ أم أن الغاية المفترضة حماية النظام العربي بشكل عام والحفاظ على الحد الأدنى من التضامن لمواجهة الأخطار المحدقة بالجميع وفي مقدمتهم مصر والسعودية؟.

لقد أوضحت دمشق خلال تحركاتها الأخيرة أنها حريصة أكثر من أي وقت مضى على أمن واستقرار لبنان، وحرصها هذا لا يقل أبداً عن حرص المملكة العربية السعودية على أمنها، وأن سوريا لا تفكر نهائياً بإعادة قواتها إلى لبنان تحت أي ظرف من الظروف، وأن على اللبنانيين أن يعتادوا إدارة بلدهم بأنفسهم، كذلك تم طرح مثل هذه الأفكار في مصر، وعلى هذه الخلفية تدرك سوريا ضرورة تفعيل وإعادة إحياء دور سعودي مصري سوري مشترك للمبادرة في حل القضايا العربية للتخفيف ما أمكن من التدخلات الخارجية.

وعليه لا تبدو المسألة تتعلق بمحاولة سورية لحماية نظامها كما يشاع لبنانياً، بقدر ما هي رؤية بعيدة لدور عربي يجب أن يكون حاضراً ومبادراً ولخدمة الجميع، في هذا السياق ربما تبدو المشكلة والأزمة اليوم (سورية - لبنانية) لكن الجميع بدركون وخاصة السعودية ومصر أنه لا يمكن فصل ما يجري في هذه البقعة عما يجري في مكان آخر أو ما سينشأ لاحقاً من تداعيات على خلفية الحضور والتواجد العسكري الأمريكي في المنطقة، وعلى خلفية ما قد ينشأ وما ستفرضه تطورات القضية الفلسطينية وتداعيات الملف النووي الإيراني.

من هنا يجب التذكير بأنه ومنذ الاحتلال الأمريكي للعراق (لم تعقد أي لقاءات قمة ثلاثية مشتركة بين قادة كل من سوريا ومصر والسعودية) كما جرت العادة سابقاً حين كان زعماء هذه الدول (المركزية) يلتقون بين حين وآخر للبحث في قضايا وملفات تخص عموم الحالة العربية أو قضايا مشتركة، وإذا ما كانت هذه الدول مشغولة، كل بذاتها، بحجم كبير من الضغوط الأمريكية التي نشأت على خلفية تداعيات مرحلة ما بعد الحادي عشر من أيلول والحضور الأمريكي الثقيل في المنطقة بعد احتلال العراق، فإن أحد الأهداف الأمريكية كان ضرب هذه الصيغة العربية المتقدمة من التواصل والتنسيق نظراً لما كانت تمثله من حضور سياسي وما تمتلكه من وزن إقليمي وما تبشر به من آفاق، وهذا بحد ذاته مربك لإسرائيل ولا ينسجم مع ما تشتغل عليه واشتغلت عليه تاريخياً.. نقصد (فكفكة كل أشكال التقارب العربي، وخاصة إذا كان بين دول بحجم ومكانة سوريا ومصر والسعودية).

إن هذه مسألة يجب أن تأخذها بعين الاعتبار جميع هذه الدول، وعليه يجب ألا يفرض الخلاف السوري اللبناني أجندته الضيقة على تفكير البعض، إن المسألة أبعد بكثير من حماية نظام بعينه... إنها مسألة تتعلق بثقل مفترض للمثلث العربي يجب أن يعبر عن نفسه لمواجهة وتطويق كل التداعيات والتطورات العربية