سمير عطا الله/النهار

طوال العقود الخمسة الماضية كانت سياسات وأحداث واتجاهات فلسطين، تنعكس أو تؤثر تأثيرا مباشرا على سياسات العالم العربي، دولا وشعوبا. وحيث تحفظت الدول والحكومات، انخرطت الشعوب او اندفعت. وعاشت القضية الفلسطينية تنتقل، بأشكال كثيرة، في العواصم العربية، من القاهرة إلى عمان إلى دمشق إلى بيروت. واحتلت القضية عناوين الصحف ومقدمات الأخبار وخطب الزعماء ومبررات الحروب وتعاليم الأطفال في المدارس.

اختلف أصحاب وقادة وناشطو القضية في أساليبهم، والتقوا على هدف واحد. من الحاج امين الحسيني الى احمد الشقيري الى ياسر عرفات والمئات الذين رافقوهم في القيادة وصنع القرار وتحمُّل المشاق والاخطار، وصولا طبعا الى الشهادة. على ان اهم واطول واوسع تجربة في تاريخ النضال الفلسطيني، كانت تجربة «فتح». جاءها المؤسسون الكبار من حركة الاخوان الفلسطينيين، ثم جمعوا حولهم اهل التيارات القومية والمستقلين والذين بلا اي انتماء سياسي. وقامت في موازاتها حركات فلسطينية كثيرة، على يمينها وعلى يسارها، وانشقت عنها فصائل كثيرة ايضا. وفي السبعينات كان للعراق وسورية وليبيا فصائل تتبادل المواقع والادوار وتتحد جميعها ضد «فتح». والاستثناء الاستقلالي الوحيد كان الجبهة الشعبية بزعامة جورج حبش، التي شقت هي ايضا، وتقاسمتها الدول العربية.

منذ ان دخلت «فتح» ارض فلسطين من جديد، دخلت في متاهات السلطة والحكم. وكادت تغيب صورة النضال المقدس امام شائعات الفساد والحقائب الوزارية المفتوحة للرشاوى والمال السريع والغامض. وفيما تعرضت «فتح» لتجارب ومِحَن الحكم والتفاوض والمساومة، كان خصومها يملكون ما تملكه المعارضة في كل مكان: حرية الكلام وحرية النقد وحرية المحاسبة، من دون ان تكون مسؤولة عن اي شيء. وراحت «حماس» تظهر بمظهر الشهادة، فيما «فتح» في السلطة تدعو الى ضبط النفس. والذي لم يضبط نفسه كان اسرائيل وارييل شارون. ولذلك ظهرت «فتح» بمظهر المساوم والمفاوض، فيما ظهرت «حماس» بمظهر الرافض والمقاوم.

انتخابات الخامس والعشرين من هذا الشهر، مباراة غير عادلة، بين حزب حاكم ارتكب الاخطاء وحقق الانجازات، وبين حزب معارض لم يعرف عنه شيء في تجربة الحكم حتى الآن. والارجح ان «حماس» سوف تفوز وسوف نشهد خسوف الحركة الفلسطينية الأم. إنه إخفاق الاحزاب القومية في العالم العربي أمام تجربة الحكم: 98 نائبا من «الاخوان» في مصر، وتجربة مفزعة «للبعث» في العراق، والآن هذه الحركة النضالية الكبرى التي شوه وصولها الى السلطة تجّار السيارات والخضراوات وسكوت الراحل الكبير عن فساد المرئي، انطلاقا من قاعدة عربية مألوفة: كلما فسدوا ازدادوا ولاء.