«سنجعل سوريا أهم واحة ديمقراطية في الشرق الأوسط»!!

هذا ما قاله مسؤول عسكري سوري كبير لشخصية يسارية لبنانية مناصرة لدمشق الأسبوع الماضي‚

المسؤول السوري الكبير أرفق هذا الوعد بصورة زاهية للمستقبل الاقليمي والدولي للنظام السوري الراهن:

فهو قال ان محادثات الرئيس السوري بشار الأسد في جدة‚ ثم في شرم الشيخ‚ «كانت أكثر من ناجحة»‚ وهي أحيت إلى هذا الحد أو ذاك المحور السوري - السعودي - المصري الذي تعرضت جدرانه إلى شقوق خطيرة على إثر إغتيال رئيس الورزاء اللبناني السابق رفيق الحريري.

وبرغم أن المسؤول السوري لم يحدد أسباب ارتياحه‚ خاصة وان المبادرة السعودية- المصرية لتخفيف التوتر في العلاقات اللبنانية السورية (والتي دعت إلى تنسيق سياسة البلدين الأمنية والخارجية‚ مقابل اعتراف سوريا بالكيان اللبناني وإقامة علاقات دبلوماسية معه) ‚ قد رفضت من قبل الطرفين المسيحي والدرزي في بيروت‚ إلا انه كان واضحاً أن الأسد نجح‚ بطريقة ما‚ في إرضاء السعوديين للمرة الأولى منذ اغتيال الحريري.

وتؤكد مصادر دبلوماسية عربية في بيروت احتمال هذا النجاح‚ وتقول انه كان من بعض نتائجه منع فضائية «العربية» التابعة للسعودية من بث مقابلات أخرى مع نائب الرئيس السوري السابق المنشق عبد الحليم خدام‚ والانحسار النسبي للحملات الإعلامية الني يشنها «تيار المستقبل» اللبناني الموالي للرياض ضد النظام السوري.

وهو (المسؤول السوري) أبدى كذلك تفاؤلاً كبيراً بتليين الموقف الفرنسي من دمشق‚ وأكد أن هذا سيتكرس قريباً في «طرد» خدام من فرنسا إلى دولة أخرى يجري البحث عنها الآنKوهو كان واثقاً من ان لجنة التحقيق الدولية التي تحقق في عملية اغتيال الحريري‚ لن تقوم في النهاية سوى بتجريم مسؤولين أمنين سوريين إثنين هما رستم غزالة‚ مدير الاستخبارات الذي حكم لبنان منذ العام 2000 وحتى العام 2004‚ وربما مساعده جامع جامع أو شخص آخر‚

وماذا عن العلاقات السورية- الأميركية؟

المسؤول السوري لم ينبس هنا ببنت شفة‚ واكتفى بطرح الأسئلة بدل تقديم الأجابات‚ أسئلة من نوع: «ما طبيعة التنازلات التي يمكن أن نقدمها للولايات المتحدة‚ دون أن نعرّض شرعية النظام السوري القومية العربية للخطر؟»‚ وحين قيل له أن ذلك يمكن ان يتم عبر «تسهيل الخروج العسكري الأميركي من العراق»‚ أبدى حماسة للفكرة.

شروط التفاؤل

هل هذه التفاؤلية السورية في محلها؟ الامر سيعتمد على ثلاثة تطورات مترابطة:

التطور الأول‚ قدرة دمشق على استحداث ثورة إصلاحية حقيقية‚ تطال هذه المرة البنية السياسية كما الاقتصادية للنظام‚ وتؤدي في نهاية المطاف إلى إرضاء فرنسا التي يبدو واضحاً أنها تمتلك تفويضاً أميركياً واضحاً بحرية الحركة في بلاد الشام‚

وسبق لباريس‚ وبطلب من الرئيس الأسد نفسه‚ أن وضعت بعد العام 2000 مخططاً دقيقاً لإصلاحات إدارية وسياسية في سوريا لتسهيل اندماجها في كل من الشراكة الاوروبية- المتوسطية والاقتصاد العالمي‚ بيد ان هذا المخطط (الذي وصف في فترة بأنه «ربيع دمشق») لم ير النور‚ وأنحى الأسد في ذلك الحين باللائمة على «الحرس القديم» بقيادة الثلاثي خدام - حكمت الشهابي - غازي كنعان‚

فهل سيكون الأسد الان قادراً على تطبيق هذا البرنامج؟ وهل المصالح الكبرى المرتبطة بالفساد في الدولة السورية ستمكنه من ذلك؟

المواقف الإقليمية والدولية

التطور الثاني‚ حقيقة المواقف الاقليمية من الطاقم السوري الحاكم‚ وهي مواقف لا تزال ملتبسة إلى حد كبير،وهذا‚ على أي حال‚ كان واضحاً من إسراع اللجنة إلى القفز مباشرة إلى المطالبة باستجواب الأسد ووزير خارجيته الشرع‚ بعد ثلاثة أيام فقط من إدلاء خدام بـ «شهادته التليفزيونية»‚ برغم ان هذا الطلب سحب بهدوء لاحقاً.

التطور الثالث والأخير هو انتقال العلاقات الاميركية- السورية من المجابهة إلى التعاون (مجددا)‚ وهذا لن يحدث بالطبع إلا إذا ما وافقت دمشق على الشروط الأميركية كاملة والتي تتضمن:

- وقف دعم المقاومة العراقية بكل أشكالها بما في ذلك احتمال إرسال قوات سورية إلى بلاد الرافدين‚

- وقف دعم المقاومة الفلسطينية

- سحب الغطاء السياسي السوري عن «حزب الله» اللبناني‚

- وأخيراً (وهذا الاهم في هذه المرحلة)‚ وضع حد للتحالف الاستراتيجي السوري مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية‚

كل هذه الشروط‚ تعني في الواقع أمراً واحداً: إنهاء الادوار الإقليمية السورية عدا تلك التي تحظى بموافقة باريس وواشنطن‚ وانكفاء النظام إلى الداخل السوري للقيام بالاصلاحات الشاملة المطلوبة منه هناك.

هل نظام دمشق قادر على تحقيق كل هذه المطالب؟