اوحى كلام وزير الخارجية السعودية سعود الفيصل انه قدم ورقة الى لبنان وسوريا للتهدئة بين البلدين وانه ينتظر اجوبة عنها، كأن ثمة مبادرة سعودية ترمي الكرة في ملعب لبنان في حال تحفظ عنها من زاويتين، الاولى رفضه كل الوساطات العربية بما فيها وساطة دولة صديقة كالمملكة السعودية، واتاحة المجال امام سوريا وحلفائها لتحميل الاكثرية الحكومية اللبنانية مسؤولية الرفض على ما بدأ يقوم به البعض في لبنان. لكن الواقع، على ما تكشفه مصادر معنية استقت معلوماتها من اماكن مختلفة، ان الافكار التي عرضت في هذه الورقة والتي باتت معروفة بعدما تناقلتها الصحف، هي فعلاً افكار او نقاط سورية وليست سعودية او مصرية.

وكشفت هذه المصادر ان اكثر من جهة دولية، ومن بينها الولايات المتحدة الاميركية، استوضحت مصدر هذه الافكار وتأكد لها ان الافكار سورية فعلاً وتولت الرياض نقلها بين سوريا ولبنان، ونقلها قبلها الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى. ولم يطرأ تعديل او تبديل على الافكار التي نقلتها الرياض الا في نقطتين تتعلقان، كما قال الرئيس فؤاد السنيورة، بترسيم الحدود والتمثيل الديبلوماسي. وهذه الافكار التي عرضت لم ترد على ورقة تحمل عنواناً او مرجعية وليست مذيلة ايضاً بأي توقيع.

وبحسب معلومات المصادر المعنية، فإن الوزير الفيصل تلقى هذه الافكار مكتوبة على ورقة بيضاء لا تحمل اسم الجمهورية السورية او توقيع اي مسؤول سوري، من وزير الخارجية السوري فاروق الشرع حين زار دمشق على نحو مفاجئ قبل اسبوعين تقريباً، والذي تلاه انتقال الرئيس السوري بشار الاسد الى جدة ظهر اليوم نفسه، ثم الى شرم الشيخ. وافادت ان المملكة عدلت في البند المتعلق بترسيم الحدود الذي يضم في البند نفسه التمثيل الديبلوماسي حيث جاء في هذه الورقة "ترسيم الحدود واقامة التمثيل الديبلوماسي وفق اتفاق بين البلدين على صيغة لتنفيذ الخطوتين". وابان وجود بعض المسؤولين اللبنانيين في المملكة السعودية قبيل عيد الاضحى، عرض الوزير الفيصل الافكار عليهم. وكان رد علني من جانب هؤلاء لم يتأخر خصوصاً بعدما زار وزير الاعلام غازي العريضي المملكة وعاد واطلع كل الافرقاء المعنيين على تفاصيل هذه الافكار.

الاسباب التي قادت الى رفض الافكار التي حملها موسى، هي نفسها التي حملت على رفض الافكار السورية التي نقلها السعوديون. فاللبنانيون، كما عبّر عن رأيهم المسؤولون، معتدى عليهم وليسوا هم من يعتدي على الآخرين وهم تالياً لا ينوون العودة الى الجامعة العربية لتسليمها امورهم والتعويل عليها لحماية مصالحهم. والمسؤولون اللبنانيون لم يخفوا عدم ارتياحهم، وفق ما اطلعوا المسؤولين العرب على مواقفهم، للمحاولات السورية الضغط على لبنان امنياً عبر الاستهدافات التي تصيب شخصياته، وسياسياً عبر تعطيل عمل الحكومة اللبنانية. وهم ابلغوا من يهمه الامر من المسؤولين العرب انهم لا يرغبون في تدويل قضيتهم لكن ثمة قرارات صادرة عن مجلس الامن الدولي تحمي لبنان، وتالياً لا مصلحة للبنان في ان يسحب هذه القرارات لوضعها في اطار المبادرات العربية في الجامعة او خارجها. وقد جرب اللبنانيون على مدى اعوام الحرب الطويلة كل انواع المساعدات العربية وكان اهمها على الاطلاق تلك التي ادت الى ارسال قوات ردع عربية الى لبنان انتهت بوصاية سوريا على لبنان لمدة ثلاثين عاماً.

ويتفق المسؤولون العرب مع ما يقوله اللبنانيون، بحسب ما تقول مصادر مطلعة، ان لبنان في موقع الضحية وليس العكس، الا انهم يحاولون استطلاع الافكار الممكنة للحل خشية تخريب الوضع في المنطقة العربية ككل.

في اي حال، فإن انتظار الوزير الفيصل اجوبة من الطرفين للقيام بوساطة فعلية بين البلدين لتهدئة الامور هو رهن بأمرين على الاقل: اولاً، تراجع سوريا عن بعض البنود التي لن يقبل بها لبنان مجدداً على الاطلاق في اي ظرف على صعيد العودة الى التنسيق الامني في وقت ان سوريا متهمة، حتى يثبت العكس باستهداف المعارضين لها. فضلاً عن اعادة وضع السياسة الخارجية في عهدة سوريا او وصايتها.

والامر الآخر يتعلق بموافقة لبنان على بعض البنود الاخرى المطروحة، في حال كانت هذه الافكار معروضة للاخذ والرد على المدى غير القصير. لكن الانطباع لدى مصادر ديبلوماسية معنية، ان ما يجري هو محاولة سورية واضحة لكسب الوقت وصرف الانظار عن التحقيق الدولي ومجرياته من خلال محاولة الالهاء بقضايا اكبر في وقت تبدي الدول العربية حماسة على خط التهدئة في انتظار تبلور بعض الاتجاهات السياسية الغامضة في المنطقة وخشية تفجر الوضع وزعزعة استقرار سوريا وخصوصاً بعد الاحاديث الخطيرة التي ادلى بها النائب السابق للرئيس السوري عبد الحليم خدام منذ مطلع السنة الجارية، بحيث تقف الدول العربية على تنازع او تناقض مخيف في ما يتعلق باستكمال تعاون سوريا كلياً مع التحقيق الدولي في ضوء ما قاد اليه كلام خدام.

والدول العربية المهتمة حرصت مراراً في الايام الاخيرة على اعادة التأكيد ان وساطاتها ليست على حساب التحقيق او الوصول الى الحقيقة ولكن تريد، في الوقت عينه، الحؤول دون اهتزاز الوضع السوري نتيجة لذلك. علماً ان رئيس لجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس خرج بعد تركه رئاسة اللجنة عن موجبات مهمته ليعلن صراحة اكثر من مرة اقتناعه بأن سوريا مسؤولة عن اغتيال الحريري وعن استهداف الآخرين.