“بعد الحادي عشر من سبتمبر/ ايلول من عام 2001 ضغط بوش وتشيني للحصول على المزيد من السلطة وحصلا عليها فعلا لكن الآن تبدأ الأسئلة ولاسيما جهة كم من السلطة ينبغي أن تكون بيديهما بعدما أضحى التجسس الداخلي على المواطنين الأمريكيين أمرا يزعج الآباء المؤسسين لهذه البلاد في قبورهم وينتهك أسس الدستور الأمريكي القائم على ضمان الحرية الشخصية”. بهذه الافتتاحية انطلقت في الولايات المتحدة الأيام الماضية حملة تهدف إلى مواجهة ما أسمته بالرئاسة الامبريالية الأمريكية التي يتزعمها بوش ونائبه ديك تشيني والتي كانت فضائح التنصت على المواطنين بحجة وزعم محاربة الإرهاب حجر الزاوية في إثارتها.

يقول إيفان توماس في مقدمته الواردة بالعدد قبل الأخير من “النيوزويك” الأمريكية حول هذا الشأن “إن الحديث كله داخل البيت الأبيض في الأيام والأسابيع التي تلت الحادي عشر من سبتمبر كانت تدور حول قنابل نووية في حقائب ملابس والحرب الجرثومية وهجمات ضرب الأعناق المفاجئة. كانت الرسالة إلى محامي البيت الأبيض من قائدهم العام كما يتذكر واحد ممن انخرطوا عميقا في الأمر وقتها جلية بما يكفي وهي “ابحثوا عن وسيلة يمارس بها الرئيس سلطاته الرسمية الكاملة كما كفلها له الكونجرس والدستور وإن عنى ذلك دفع حدود القانون بعيدا” واليوم وبعد أربع سنوات على هذا الدفع تقف أمريكا لتتساءل إلى أي حد ومد باشر الرئيس سلطاته وهل تجاوزها؟ وما مدى الحاجة لإعادة قراءة حزمة الصلاحيات الممنوحة له وإعادة تقييمها في ضوء ما جرى؟ والعديد من التساؤلات الشبيهة.

بوش والدستور الأمريكي

ومعنى ما تقدم هو أن أمريكا اليوم تتساءل هل أخل الرئيس بوش بقسم المحافظة على الدستور؟
الحقيقة أن الآراء قد اتفقت على أن للولايات المتحدة دستورا من أرقى الدساتير الموضوعة إلى الآن وأبعدها أثرا كما انه على خلاف دستور بريطانيا مكتوب ولكنه ساير بمرونته تطور الشعب وإذا كان الدستور البريطاني أدق جهاز انبعث أبدا من تطور التاريخ فالدستور الأمريكي أعجب عمل تفتقت عنه أذهان البشر وعزائمهم في زمن معلوم وإن كنا ندين كثيرا التصرفات الأمريكية إلا أن الحق انه وبوجه عام نشير إلى الدستور الأمريكي على انه نتاج متطور وإن لم يبد على هيئته المكتملة إلا في مؤتمر من اشهر المؤتمرات في العصر الحديث وقد رتب الدستور الأمريكي الأدوار وخاصة فيما يخص الرئيس والكونجرس فقد أعطى الدستور الرئيس الذي ينتخب كل أربع سنوات ويجوز له الترشح وإشغال المنصب لدورتين متتاليتين الحق في تمثيل بلاده خارجيا وقيادة القوات المسلحة وعقد الاتفاقيات الخارجية وتعيين السفراء وأعضاء محكمة العدل العليا وشن الحروب شريطة موافقة الكونجرس على ذلك أي أنه رغم الصلاحيات الواسعة إلا انه ربطها بموافقة الكونجرس ومن منطلق هذا الربط أو العلاقة التبادلية كان لابد أن تشهد رئاسة بوش الحالية تساؤلات من عينة هل أضحت الولايات المتحدة مملكة وبوش امبراطورا يستطيع أن يترفع ويرتفع على القوانين؟

كانت الأسابيع الماضية التي أعقبت فضيحة التنصت مثارا حقيقيا للجدل فقد بدا واضحا أن حكومة بوش تسعى لتعزيز السلطات الرئاسية في مواجهة الكونجرس الأمريكي الذي يرفض غالبيته اليوم تصرفات إدارة بوش وإخفاقاتها المتتالية وهو ما جعل إحدى مجموعات الدفاع عن الحريات الشخصية لأن تنشر صفحة كاملة في صدر إحدى الصحف الأمريكية الكبرى تتهم فيها الرئيس الأمريكي بالميل إلى بناء نظام ملكي مطالبة بإجراء تحقيق لمعرفة ما إذا كان الرئيس بوش أخل بقسمه دفاعا عن الدستور. وعلقت المجموعة في الصفحة صورة للرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون صاحب فضيحة ووترجيت الشهيرة كتب أسفلها “هذا الرجل لم يكن فوق القانون” وفي جوارها صورة أخرى لبوش برزت أعلاها عبارة “والأمر نفسه ينطبق على هذا الرئيس”. هل يمكن القول إذن ان هناك إرهاصات لصحوة أمريكية من غيبوبة طالت لأكثر من أربع سنوات؟ أظن أن ذلك حقيقي ولدرجة بعيدة ذلك لأن الجدل المستمر والدائر حول الحريات المدنية ازدادت وتيرته ولاسيما حول صلاحيات الرئيس بعدما كشفت الصحافة أن بوش أمر بعمليات التنصت في إطار مكافحة الإرهاب من دون إذن قضائي.
الكونجرس يخذل بوش من جديد

وفي إطار القراءة الأولية لما يتخلق في رحم الديمقراطية الأمريكية نرى “النيويورك تايمز” ذائعة الصيت تكتب في صدر إحدى افتتاحياتها الأيام الماضية تقول: “لقد قال جورج بوش مرارا على سبيل النكتة انه سيكون أسهل على المرء أن يحكم في إطار ديكتاتورية ويبدو انه لم يبلغ نائبه انه كان يمزح غير أن الصحيفة تداركت وقالت.. ثمة إشارات إلى أن النظام الديمقراطي يحاول كبح جماح الرئاسة الامبراطورية”. وأوضحت الصحيفة أن الكونجرس الجمهوري الذي كان مواليا للرئيس ألحق به سلسلة من الهزائم قبل حلول الأعياد على الرغم من التدخل الشخصي لبوش حيث أصر الكونجرس على رفض تمديد بعيد المدى لتدابير مكافحة الإرهاب التي يشتمل عليها قانون الأمن الوطني “باتريوت اكت” انطلاقا من مطالبته بمزيد من الضمانات التي تكفل احترام الحريات الشخصية إضافة إلى إجبار بوش على القبول بحظر نهائي للتعذيب.

أضف إلى ذلك ما أوردته صحيفة “الواشنطن بوست” يوم السبت السابع من يناير/ كانون الثاني المنصرم والمتعلق بتقرير قدمته لجنة بحث تابعة للكونجرس الأمريكي خلص إلى أن تبرير إدارة الرئيس بوش لعمليات التنصت التي وافق عليها الرئيس يتعارض مع القانون الحالي. وكتبت الصحيفة أن تقرير هيئة الكونجرس للخدمات البحثية وهو أول تقرير غير حزبي بخصوص البرنامج حتى الآن يرفض تأكيدات بوش ووزير العدل “البرتو جونزاليس” بخصوص قدرة الرئيس على الأمر بالتنصت على المكالمات الهاتفية والبريد الالكتروني وقال التقرير الذي يقع في 44 صفحة انه من غير المرجح أن يعود بوش للاعتماد على الصلاحيات الرئاسية الواسعة التي اعتمد عليها لتغطية القدرة على الأمر بالتنصت سرا على المكالمات الهاتفية للمواطنين الأمريكيين منذ أحداث العام 2001. والمؤكد أن الأمر في طريقه للخروج من بين يدي بوش وإدارته وبات مرفوعا إلى أعلى سلطة قضائية في البلاد أي المحكمة القضائية العليا التي ستناقش هذا الشهر الصلاحيات الواسعة للرئيس وحقه في إصدار أوامر بالتنصت داخل البلاد دون الحصول على تفويض من القضاء لاسيما انه بموجب قانون المراقبة الاستخبارية الخارجية لعام 1978 يمنع التجسس المحلي على مواطنين أمريكيين دون موافقة خاصة. وقد بات واضحا كذلك أن هناك نية مبيتة لدى عدد وافر من أعضاء الكونجرس الأمريكي لطرح هذه القضية في المناقشات التي ستجرى مع أحد القضاة الذين رشحهم بوش للمحكمة الدستورية العليا وهو “صموئيل اليتو” وقد أكد عليه “باتريك ليهي” نائب رئيس لجنة الشؤون القضائية في مجلس الشيوخ انه سيستمع إلى القاضي المعين والذي صرح في رسالة مفتوحة للقاضي “اليتو” بالقول “خلال جلسات الاستماع من اجل تعيينكم قررت أن أسألكم عن موقفكم من سلطات القائد العام التي منحت للرئيس بموجب الرئيس ومدى صلاحيات البرلمان في زمن الحرب” وأكد ليهي أن قضية التنصت مجال يمكن أن يطلب من المحكمة العليا أن تلعب دورا أساسيا فيه بصفتها هيئة مراقبة مكلفة بتجنب تجاوز السلطات التنفيذية لصلاحياتها. ومما لاشك فيه أن المشهد لم يتوقف عند “باتريك ليهي” فقط بل امتد لأبعد من ذلك إذ أيد عدد من أعضاء الكونجرس من الجمهوريين والديمقراطيين عقد جلسة لبحث القضية يعتزم رئيس اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ السيناتور الجمهوري “ارلين سبكتر” عقدها فيما أثار كثير من أعضاء الكونجرس تساؤلات عما إذا كان التجسس الداخلي ينتهك الدستور الأمريكي ويقول ليهي “لا ينبغي أن تعتقد أي إدارة أنها فوق القانون، نحن بحاجة إلى إعادة الضوابط والتوازنات في هذا البلد”. كما اتهم “راس فنجولد” العضو الديمقراطي بمجلس الشيوخ الأمريكي الرئيس بوش بكتابة قوانينه الخاصة وإنشاء أي صلاحيات يريد وضعها في يده. والمتابع الجيد لما يجري داخل الكونجرس الأمريكي يدرك أن المواجهة مع بوش لم تنحصر فقط في القضايا الأمنية ولا بالنصوص التشريعية حيث اجبر بوش أيضا على تغيير لهجته حيال الوضع في العراق في ظل جبهة ديمقراطية أعلنت توحيد صفوفها وشكوك لدى الجمهوريين كما رفض الكونجرس أخيرا السماح للرئيس بالتنقيب على النفط في ولاية ألاسكا بعدما ألزمه خلال العام الماضي التخلي عن إعادة هيكلة واسعة لنظام الضمان الاجتماعي ويبقى التساؤل هل يمكن أن تأخذ هذه المساءلات حول ما أقدم على فعله بوش منحى يعيد التذكير بفضيحة وترجيت؟

القانون والأمن وحديث العزل

وبمعنى آخر هل يمكن أن تصل مساءلات الكونجرس لاستجواب الرئيس إلى حد التحدث عن محاكمته ثم عزله بسبب إخلاله بما اقسم على المحافظة عليه؟
ولعل نظرة إلى الماضي غير البعيد حين نفى الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون علاقته غير مرة بالمتدربة السابقة في البيت الأبيض “مونيكا لوينسكي” مما كاد يقوده إلى العزل تجعلنا نعقد المقارنات ونطرح الأسئلة عما سيكون من شأن الرئيس بوش الذي خصصت له بعض الجماعات المناهضة لسياسته داخل أمريكا على شبكة الانترنت موقعاً خاصاً تحت عنوان IMPEACH BUSH أي عزل بوش، إضافة إلى وجود لائحة تحتوي على نحو عشرين اتهاما ما بين الكذب على الشعب الأمريكي وارتكاب جرائم ضد الإنسانية وصولا إلى التجسس على الأمريكيين أنفسهم وانتهاك حرياتهم التي كفلها لهم الدستور وقد صاغها جميعا قانوني معروف ومدع عام سابق في أمريكا هو المحامي رمزي كلارك.

وفي حين يرى البعض تلك التهم السابقة فقط فإن آخرين يضيفون إليها تهما جديدة مثل الحرب على الإعلام الحر والتخطيط لقذف وسائل إعلام وقنوات فضائية خارج الأراضي الأمريكية وإلهاب وتأجيج الصراع الديني في العالم من خلال معاملة مسلمي أمريكا على أنهم جواسيس. والمقطوع به أن القضية لن تمر مرور الكرام كما تقول مجلة الكرستيان ساينس مونيتور لاسيما أن التساؤل المطروح على مائدة النقاش هو هل احترام القانون يتعارض مع الأمن القومي؟ وهنا يجيب ديفيد روثكوبوف الخبير في معهد كارنيجي للسلام الدولي بقوله إن عدم حصول جدل بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 سمح للرئيس بوش وفريقه باتخاذ إجراءات غير مسبوقة تخطت في بعض الحالات الحد الضروري والمشروع. ويضيف.. لم يكن من الممكن التوصل إلى توازن خلال السنوات الأربع التي تلت 11 سبتمبر لأن الوضع برمته كان يحرك المشاعر وليس المنطق لكن النقاش قد بدا اليوم لأن الأذهان باتت مستعدة وتوقع أن يستمر الجدل حول تحقيق توازن بين الأمن والحريات الفردية سنوات ولعله سيندرج في صلب انتخابات الكونجرس القادم 2006 والانتخابات الرئاسية المقبلة 2008. ويرجح تصاعد وتيرة الحديث أن هناك مواجهات دائرة بين البيت الأبيض والإعلام الأمريكي وهو ما كشفت عنه “الواشنطن بوست” من أن بوش استدعى كبار محرري الصحف الأمريكية في محاولة منه لمنع نشر تقارير يتخوف من أن تؤثر في الأمن القومي لكن يبدو أن بوش فشل في هذا والدليل هو نشر الصحف تقرير التنصت والسجون السرية.

اجتماع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه

في مواجهة آخر الصفعات التي تمثلت في تقرير لجنة الأبحاث في الكونجرس الذي أكد على أن بوش تحايل وخالف القانون صراحة في قضية التنصت وهو ما يمكن أن يفتح الباب أمام تحقيق رسمي يمكن أن يقود لما هو أسوأ أي حديث العزل، نقول: وجد بوش نفسه في حاجة لجمع الشمل من حوله فقام بدعوة عدد وافر من المسؤولين الجمهوريين والديمقراطيين لمناقشة عدد من القضايا التي شكلت قطب الرحى في إدارته الأولى ويمتد أثرها في الثانية وتتقاطع ولاشك مع أزمة التجسس الأخيرة ومن بين هذه القضايا كانت قضية المستنقع العراقي من منطلق أن نجاح إدارة بوش في الخروج منها إنما يعني نجاحا كبيرا لإدارة بوش خارجيا وهو ما يقوي موقفه عند الشعب الأمريكي ويسهل من التغاضي عن أزمة التجسس الداخلية وقد عمد بوش إلى أساليب علم النفس التي تقول “تودد بالدوافع النبيلة إلى من تحدثه” فاستهل حديثه بالقول “إن كل المجتمعين حول هذه المائدة لا يوافقون على قرار التدخل في العراق إلا أنهم أمريكيون صالحون حقا ويدركون أن علينا الآن أن نحقق النجاح بما أننا موجودون هناك بالفعل” وقد كان هذا التصريح في الوقت الذي خصص لحضور الصحافيين، وغير خاف على احد أن هناك ما يقال بعيدا عن عدسات الكاميرات وميكروفونات الإذاعات وهو ما يرجح أن الهدف كان محاولة أولية للمصالحة الداخلية من جهة لاسيما بعد الكم الهائل من الفضائح التي أغرقت إدارة بوش وثانيا محاولة لتحقيق مكاسب خارجية تتمثل في الخلاص من أزمة العراق قبل شهر يونيو/ حزيران المقبل. والتساؤل لماذا شهر يونيو على وجه التحديد؟ الإجابة لأنه موعد انطلاق انتخابات الكونجرس 2006 والذي يمكن أن يشهد خسارة جسيمة للجمهوريين من جراء سياسات بوش من ناحية ومن تبعات الفضائح التي طالت عددا وافرا من قيادات الحزب من ناحية ثانية. والقارئ الجيد لما يجري في الولايات المتحدة اليوم يرى أن الحزب الجمهوري قد بدأ عملية تطهير ذاتي ومواجهة مع النفس لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من سمعته ولم تكن استقالة “توم ديلاي” من منصب زعيم الجمهوريين بالكونجرس سوى البداية العملية لهذه المواجهة المريرة التي ربما تجتاح في طريقها آخرين من أقطاب الحزب قد يكون من بينهم زعيمهم في مجلس الشيوخ بيل فرست. وقد أشار آخر استطلاع للرأي إلى أن 49% من الناخبين الأمريكيين يريدون أن يعود الديمقراطيون إلى السيطرة على الكونجرس بمجلسيه مقابل 36% مازالوا يفضلون بقاء الجمهوريين في مقاعد الأغلبية. والتساؤل هنا ماذا لو سيطر الديمقراطيون منتصف هذا العام على الكونجرس بمجلسيه؟ هل يمكن أن تكون الخطوة القادمة هي محاكمة بوش تمهيدا لعزله؟ ربما يصبح هذا حقيقة واقعة وخاصة إذا ظهرت فضائح جديدة لإدارة بوش على سطح الأحداث وهو أمر غير مستبعد بحال من الأحوال.

أمريكا تراجع نفسها

يصبح من الطبيعي في سياق الفورة الحادثة في بلاد العم سام القول إن الأمريكيين يراجعون أنفسهم ويعيدون قراءة أوراق استراتيجية في دستورهم بعدما أضحت مصداقية واشنطن في مهب الريح وبعد أن استفاق الكونجرس من غيبوبة طالت لأربع سنوات وندلل على صدق ما نقول به ببضعة سطور لثلاثة من كبار الكتاب الأمريكيين الأيام الماضية. بداية يقول “بول كروجمان” من النيويورك تايمز ما نصه: “قبل عام مضى لم نكن نعلم كأمريكيين أن رئيس بلادنا كان يكذب علينا أو أنه كان يضحك علينا بطريقة ما بقوله في ابريل من عام 2004 وفي إطار حملة ترويجية لقانون الوطنية إن مراقبة المكالمات الهاتفية الخاصة بالأمريكيين تتطلب استصدار إذن من المحكمة بما يؤكد عدم انتهاك القانون لحريات المواطنين ولخصوصياتهم وفي المعنى ذاته أكد بوش بقاء الضمانات الدستورية على حالها حتى في الأوضاع التي تستدعي القيام بما من شأنه حماية الأمن القومي وإننا كأمريكيين إنما نولي اهتماما كبيرا لقيمنا الدستورية. كان هذا قبل عام أما اليوم فقد حلت بنا آفة انتهاك القانون جهارا نهارا من قبل الرؤساء الجمهوريين”. أما الكاتب الأمريكي بول كيندي فيقول: “ندشن دخولنا إلى القرن الحادي والعشرين في ظروف اقل ما يمكن وصفها بأنها ملتبسة إلى حد كبير ففي وقت نعلق فيه آمالا عريضة على منجزات التقدم العلمي وعلى قدراتنا الطبيعية تنتابنا مشاعر القلق والتوجس حيال الطبيعة المتقلبة للحياة والخوف من أن يتحول تفاؤلنا إزاء ما يمكن أن يحققه الإنسان من تقدم إلى أضغاث أحلام” ويتساءل في نهاية طرحه المطول عن “مدى كفاءة الإدارة الأمريكية الحالية في حماية الإنسان الأمريكي من شرور ذاتها وسيئات أعمالها”. أما الأخير فهو “ويليام فاف” المعروف برصانة وعمق أطروحاته والذي يرى أن النظام الأمريكي في معرض اختبار حقيقي إما أن يثبت صحة أطروحات الحرية والديمقراطية والعدالة وحقوق المواطنة التي ينادي بها وإما أن يذهب هذا النظام إلى غير رجعة بعدما فشل في توفير الاستقرار في المجتمع. ويبقى القول هل الرئاسة الامبريالية الأمريكية في طريقها للزوال؟ الإجابة عند الشعب الأمريكي وحده فقط وربما نستمع إليها قريبا من على منصة المحكمة الدستورية الأمريكية العليا.