اعتادت الصحف الغربية مثل “فايننشيال تايمز” و”نيويورك تايمز” و”لندن تايمز” و”واشنطن بوست” ان تشير خلال تغطيتها اليومية لأحداث الصراع الفلسطيني “الاسرائيلي” الى الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال “الاسرائيلي” بكلمة “انتقام”. وتطلق هذه الصحف وغيرها من الصحف البريطانية والامريكية صفة “الانتقامية” على عمليات قوات الاحتلال عقب كل هجوم فدائي فلسطيني على مستوطنة استعمارية “اسرائيلية” في الضفة الغربية أو مدينة داخل “اسرئيل”. ويتم على نحو دائم وضع الفعل ورد الفعل داخل اطار زمني محدد حيث يكون الفعل الفلسطيني دائما اللحظة المبدئية ويوصف الهجوم العسكري “الاسرائيلي” دائما بأنه رد أو “انتقام” ولذلك فإنه يصبح عملا دفاعيا “مبررا”.

ولذلك، فإن ما يبدو تغطية موضوعية لعملين عسكريين هو في الحقيقة انتقاء عشوائي لإطارين زمنيين يضع الأساس لاطار عمل تفسيري شديد الانحياز. وينشأ الانحياز لمصلحة “اسرائيل” والذي يتضح جليا في التسلسل الزمني المختار واطار العمل عن المقولة الايديولوجية العامة التي تصور الدولة العبرية على انها ديمقراطية تحمي نفسها من الارهابيين العرب المسلمين وتتجاهل حقيقتها كقوة استعمارية توسعية تنخرط في تطهير عرقي عن طريق العنف وعمليات ابعاد قسري واسعة النطاق.

والعنصر الذي يغيب عن التغطية في تلك التقارير “الاخبارية” هو تسلسل الاحداث التي تسبق الهجمات الفدائية الفلسطينية. ونجد هنا دائما سلسلة اجتياحات عسكرية “اسرائيلية” وتفجيرات وقتل مدنيين واعدامات فورية للسجناء السياسيين علاوة على الاعتقالات العشوائية وهدم المنازل ومصادرة الاراضي على نحو غير مشروع “حتى بالمعايير الاستعمارية”.

وتلقي دراسة لتقارير اسبوعية موثقة اجراها المركز الفلسطيني لحقوق الانسان ضوءا مختلفا تماما عن السياق وإطار العمل لفهم تسلسل الاحداث وطبيعة واهداف الدولة العبرية. وخلال الاسبوع من 8 14 ديسمبر/كانون الاول الماضي سجل المركز الفلسطيني لحقوق الانسان ما يلي:

- استشهاد عشرة فلسطينيين برصاص جيش الدفاع “الاسرائيلي” (الذي ينبغي الاشارة اليه باسمه الصحيح وهو (جيش الاحتلال “الاسرائيلي”) من بينهم 7 فلسطينيين أعدمتهم القوات “الاسرائيلية” خارج الاطار القضائي في قطاع غزة.

- أصيب 34 مدنيا فلسطينيا من بينهم 17 طفلا برصاص جيش الاحتلال “الاسرائيلي”.

- هاجمت قوات الاحتلال أهدافا مدنية في قطاع غزة.

- نفذت قوات الاحتلال “الاسرائيلي” 40 اجتياحا لأحياء فلسطينية في الضفة الغربية.

- دهمت قوات الاحتلال المنازل واعتقلت 91 مدنيا فلسطينيا من بينهم اساتذة جامعات ومرشحون في الانتخابات البرلمانية و4 اطفال.

- أغلقت سلطات الاحتلال مقر اتحاد الشباب المسلم في الخليل لمدة عامين.

- استولت قوات الاحتلال على منزل عائلة فلسطينية وتم إخلاؤه من السكان وتحويله الى موقع عسكري “اسرائيلي”.

- واصلت قوات الاحتلال حصارها الكامل للأراضي الفلسطينية المحتلة وفرضت قيودا مشددة على تحركات المدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية. * اعتقلت قوات الاحتلال 12 مدنياً فلسطينيا من بينهم 6 اطفال عند عدد من نقاط التفتيش في الضفة الغربية.

- استخدمت قوات الاحتلال رصاصات معدنية مغلفة بالمطاط ضد المدنيين الفلسطينيين الذين كانوا يتظاهرون احتجاجا على جدار الفصل وأصابت طفلا و6 متظاهرين بجراح.

- استمر المستوطنون “الاسرائيليون” في مهاجمة المدنيين الفلسطينيين وممتلكاتهم في الاراضي المحتلة في حين صادرت قوات الاحتلال اراضي من عدة قرى فلسطينية قرب بيت لحم والخليل والقدس وأجلت 30 عائلة فلسطينية من منازلها.

وفي هذا السياق، تعتبر العمليات الفدائية الفلسطينية دفاعا عن الحياة والعائلة والحي والقرية والمدينة.

ويشير مسح لتقارير سابقة تناولت أحداث عام 2005 الى ان البيانات الخاصة بالاسبوع الذي بدأ في 8 وانتهى في 14 من ديسمبر/كانون الاول الماضي عكست بشكل واضح العمليات التي نفذتها قوات الاحتلال. واذا ضربنا النتائج الاسبوعية التي توافرت في سنوات الاحتلال لوصلنا الى الحجم الهائل للعمليات العسكرية العدوانية التي نفذتها قوات الاحتلال “الاسرائيلي” ضد الفلسطينيين. وتشير الأدلة الدامغة بالنسبة لحجم العمليات العسكرية “الاسرائيلية” ونطاقها الزمني ومداها الى ان العمليات العدوانية “الاسرائيلية” ترتبط ارتباطا وثيقا بالتوسع الاقليمي والقهر الاستعماري والتطهير العرقي.

وترتبط الهجمات العشوائية على المدنيين والاطفال والتدمير المنظم وإغلاق طرق المواصلات والسفر الاساسية والتطبيق المسعور لسياسات العقاب الجماعي (اعتقال افراد عائلات المشتبه في تنفيذهم عمليات فدائية وهدم منازلهم) ارتباطا قويا بتدمير أسس النشاط الاقتصادي والنسيج الاجتماعي للمجتمع المدني والروابط العائلية الفلسطينية.

وتوفر الأدلة الثابتة الاساس لنتيجة مفادها ان الهجمات العسكرية “الاسرائيلية” على الفلسطينيين بطبيعتها ومنهجيتها ليست عمليات انتقامية وانما هي عوامل مسببة لردود افعال فدائية فلسطينية. و”الإسرائيليون” ليسوا ضحايا بل مرتكبو مجازر وهو أمر يتضح جليا من ممارسات يومية لقوات الاحتلال تشمل الاستيلاء على المنازل والاراضي والاعتقالات واغلاق الطرقات وقتل المدنيين وتجريف الاراضي واقتلاع اشجار الزيتون ألخ. وتهدف العمليات المسلحة التي تنفذها قوات الاحتلال الى تهديد الفلسطينيين وإفقارهم وكسر إرادتهم وإجبارهم في خاتمة المطاف على التخلي عن وطنهم ليتحقق هدف إقامة “دولة يهودية صرفة” استنادا الى “روابط دم” معتمدة من الاحبار لا تختلف عن الانظمة الاكليريكية العنصرية السابقة.

* أستاذ علم الاجتماع في جامعة بينجهامتون بولاية نيويورك ومستشار لمن لا أراضي أو وظائف لهم في البرازيل. والنص منشور في موقع “كاونتربانش”.