حين يعلن الرئيس فؤاد السنيورة من قصر بعبدا تحديداً "أجندة لبنانية" خالصة صرفة للأولويات اللبنانية "تلبي طموحات اللبنانيين" وتشكل الخلفية التي لا يجادل احد في احقيتها بدءاً برفض "الورقة السورية" ودعوة دمشق اولاً الى "وقف آلة القتل"، حينذاك تتجاوز هذه "الاجندة" معناها الرمزي حيال "الشريك الاول" في السلطة ورمزها الدستوري رئيس الجمهورية في وضعه الملتبس الى ما هو أبعد وأوسع وأعمق.

المفارقة الكبيرة في هذا الموقف هي ما يمثله "الرفض المهذّب"، او "التحفظ اللائق" حيال ميل واضح للوساطة السعودية لاعطاء الورقة السورية متسعاً من الوقت علّّّ "بعض بنودها" يصبح "ممكن التسويق" لدى الكثير من الجهات اللبنانية وخصوصاً لدى فريق 14 آذار. واذا كان الموقف السعودي يشغل هذا الفريق بل يقلقه ويسعى الى ايجاد أجوبة شافية عن سرّ التبني الضمني أقله لفسحة من الوقت لرؤية ما يمكن ان يؤدي اليه في ما يسمى خفض التوتر بين لبنان وسوريا، وتحديداً بين قوى 14 آذار والنظام السوري، فان الجواب المنطقي الوحيد الذي يمكن استنتاجه او الاجتهاد فيه هو ان السعودية قلقة فعلاً من نشوء "بؤرة" توتر جديدة في الشرق الأوسط عبر سوريا ولبنان الى حد انها بدأت تمارس "بلباقة" بعض الضغوط على اصدقائها اللبنانيين في مقابل ضغوط مماثلة على النظام السوري في مسألتي التحقيق الدولي و"السلوكات" السورية الأمنية والديبلوماسية (ترسيم الحدود وتبادل فتح السفارتين وسواهما) حيال لبنان.

ولن يكون متاحاً الحكم على النجاح النسبي او الاخفاق التام لهذه الوساطة قبل مرور وقت غير قصير، باعتبار ان لا النظام السوري سيسلم بسهولة او باعتراف علني بالأخذ ببعض جوانب الوساطة وخصوصاً من الناحية الأمنية إن هو فعل، ولا الجانب اللبناني الاساسي المتمثل بقوى 14 آذار الرسمية والحزبية سيسلم بسهولة حيال اي مرونة محتملة حيال النظام السوري ما لم تتوقف فعلاً آلة القتل.

ولكن في انتظار هذا الاختبار المهم والحاسم في رسم وجهة الأحداث والتطورات المقبلة، ثمة ظاهرة لافتة وطارئة تستوجب التوقف عندها ملياً، وهي ظاهرة "العصيان" اللبناني على الوساطة العربية كعنوان تعريبي مطلق، وظاهرة "عصيان" سعودي على بعض السياسات الأميركية كعنوان تدويلي مطلق.

الرئيس السنيورة يترجم اعادة انتشار سياسية – امنية – نفسية الى الخطوط اللبنانية الصرفة والاولويات كما يجب ان تدرج مبدئياً وعملياً في اي روزنامة حل للأزمة بدءاً بالهاجس الأمني ليقول للعرب ان تجارب التعريب لم تكن مشجعة كفاية للتخلي عن الدعم الدولي الهائل لحقوق لبنان. ووزير الخارجية السعودي يترجم خيبة بلاده حيال السياسات الاميركية في العراق والشرق الاوسط التي فاقمت انتشار الاصوليات وزودت المدّ الايراني من الخليج الى لبنان مزيداً من الزخم والاندفاع. وكما السعودية، كذلك مصر، ترجمت بعضاً من هذا العصيان ولو بدرجة اخف بدليل التجاذبات التي رافقت مهمة نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني في محادثاته الاخيرة في كل من القاهرة والرياض.

اللبنانيون خائفون ومتوجسون من "اصدقائهم" العرب الى حد "العصيان" على الكثير مما تطرحه الوساطة السعودية – المصرية في خلفياتها حيال النظام السوري، والسعوديون والمصريون خائفون كذلك ومتوجسون من "اصدقائهم" الأميركيين في تحكيم سياسات و"أجندة" قد تهدد الانظمة العربية الحليفة لأميركا نفسها في اوضاع بلدانهم عبر تداعيات الحرب الطاحنة الدائرة في العراق. لو قيّض لأميركا ان تحسم الموقف سياسياً وعسكرياً بسرعة في العراق، لكان المشهد كله منقلباً وعلى غير ما هو الآن. ولو لم تكن بعض "الساحات" اللبنانية لا تزال تشهد اطلاقاًُ لشعارات التمجيد للنظام السوري ولايران بحجة رفض الوصاية الأميركية، لكان الأخذ بالهواجس العربية في عزّ المحنة اللبنانية ممكناَ اكثر.

فهل لوساطة أن تنجح وسط هذين "العصيانين"؟