أنـــــور بيجــــو

عنوَنَ الأخ الأستاذ بير رستم مقالاً له : (( عيوب الخشب ... قومجيون من أنور بيجو إلى فيصل قاسم )) ، ونقترح الإطلاع على المقالين اللذين ( ردّ ) عليهما الأستاذ رستم ، كما على مقال ( ردّه ) .

على الأقل حسب أصول اللغة ، أعتقد أن من يؤمن بالمبدأ القومي والسيادة القومية ، يسمى ( قومي ) وليس ( قومجي ) ، ولا أعرف حقيقة ، أنك حين توصف بـ ( قومجي ) ، فهل هذا من باب الاعتراف والقبول بأنني الآخر ، الآخر المحترم ، أم هو عدم قبول واعتراف وعدم احترام للآخر وما يراه هذا الآخر ؟؟ هل هو من باب التحلي بـ ( الأخلاق السمحة ) أم هو تهكم وشتيمة ؟؟ أم هو استخدامُ ( قوميٍّ ) بريءٍ ليس من الخشب فحسب ، بل من الكلس والخشب وغيرها .... ؟؟ !!

وما لفت انتباهي جداً جداً ، في الفقرة الثانية من مقال ( الردّ ) للأستاذ بير رستم ، والتي تبدأ بـ (( ما يلفت الانتباه هو محاولة بعض المثقفين والسياسيين العرب و [ المحسوبون ] على التيارات ........ )) .... إلى نهاية الفقرة ، ما لفت انتباهي : هو أن الأستاذ رستم يبدو أنه بعد الاستطراد الطويل ، أضاع الفكرة ، فنسي أن يذكر ( ما يلفت الانتباه ) ، ونسيَ أيضاً أن يذكر ما هي ( محاولة بعض المثقفين والسياسيين ... ) ولا زلنا لا نعرف ما الذي يحاوله ( هؤلاء ) .

لكن وبعد ما سبق ، وقبل الدخول بما أظن أنه مفيد وجوهري كحوار ، أريد أن أوضح ثم أعتذر ، وأن أفسر ولا أبرر : بأنني بعد أن عدت إلى مقالتي التي تناولها الأستاذ رستم ( التأسيس .... ) ، بعد العودة ، وجدت أنني كما حاولت أن أقود اللغة لتعبّر عمّا أفكر ، وجدت أن اللغة أحياناً ، وليس العقل ، قد قادتني في بعض المواقع .. فأخطأت ، فلست ممن يمكن أن يصف ، ليس مجموعة ما من أبناء شعبي فحسب ، بل أن أصف فرداً ما وكائناً من كان بالنفاية ، إلاّ إذا كان خادماً للأجنبي أو معادٍ لوطنه ، وكائناً من كان هذا الأجنبي ، فكيف إذا كان هذا الأجنبي عدواً ، وكائناً من كان هذا المعادي ، فكيف إذا كان محسوباً أنه مواطن . ومع ذلك فإنني أدّعي صادقاً ، أنني لم أقصد بالنفايات ، الأشخاص والمجموعات التي اجتمعت في القاهرة ، معاذ الله ، بل قصدت تماماً ، مجموعة الأفكار المتضاربة ، بل والمتناقضة أيضاً ، وقصدتها مجتمعة ( فسيفساء ) أنها غير صالحة للتأسيس ، وليس كل فكرة على حده ، لكني لم أوفق ببيان ما قصدت ، فأخطأت ، وهذا هو التفسير ، ولا أبرر خطئي فهو غير مبرر ، فأعتذر .

طبعاً نستطيع الاستمرار بالكتابة على هذا النمط والمنوال صفحات وصفحات ، لنثبت للأخ الأستاذ بير رستم ، ودون أن نتعالى ، بأن نقول ، مثلاً ، أننا ( بغنى ) عن هذه الكتابة .... وبالمقابل أيضاً ، دون أن ندعي أننا من يملك الحقيقة ، فنطمسها متى نشاء ونلوي عنقها متى نشاء ، بل إننا ندّعي أننا نملك قناعة ، وهذه القناعة نعتقد بقوة ، وبوضوح تام ، ودون استخدام للّغّة المخاتلة ، أنها تعبّر عن الحقيقة . وأكثر من بدهي بكثير ، أننا لا يمكن أن تتكون لدينا قناعة ما ونتمسك بها ، لكنها لا تعبر عن الحقيقة . ولا يمكن أن نعلن أننا منتمين إلى عقيدة ما ، لكننا نتصرف ونتحدث كأننا غير مؤمنين بها ، بل أقول : إن ما نراه صواباً ، هو بالنسبة لنا هو مطلق الصواب ، مهما بدا هذا الإطلاق خشبياً ، ونتحمل مسؤولية ما نراه ، ولا يمكن أن نرى الصواب في مكان ما ، لكننا نسلك على أساس ما يراه الآخر لكن على مسؤوليتنا نحن . إن لم نملك قناعة ما ، لن نستطيع النطق بحرف واحد ، فالشك والبلبلة لا تحددان اتجاهاً ، بل تضيّعان الاتجاهات ، ومن لديه هدف ما ، لا يمكن أن يسير بدون اتجاه !! لا يمكن لحوار ما أن يجري بين اثنين أو أكثر ، دون أن يملك كل مشارك بالحوار قناعة ما ، من لا يملك قناعة ، لا يمكن أن يحاور ، بل لا يمكن أن يطرح الأسئلة الجوهرية في الحياة ، حينها تكون أسئلة بدون اتجاه ، أسئلة نستفزّ ( ز ) بها الآخر ، بدل أن نتقارب ونجتمع على حوار يقدّم لهذا الوطن ( غير المعرّف وغير المعروف ) شيئاً مفيداً مهما َصُغرَ ، وهذا أضعف الإيمان .... قناعتي الأكيدة ، هي البحث عمّا يجمع ، ونبذ كل ما يفرق ويستفزّ ، فإذا رآني الآخر أنني مخطئ ، فليس هذا الدليل أنني مخطئ ، تماماً كما أنه ليس الدليل على أنني على صواب .... الصواب والخطأ ، من طبائع المخلوقات ، لكنّ الحقيقة هي شأن طبيعي منطقي ، سنًته وتسنّه قوانين هذا العالم بأسره ، وقوانين الطبيعة والحياة ، وذلك منذ ما قبل التاريخ الجليّ وحتى اللحظة الراهنة . أعتقد أن الحقيقة ليست اختراعاً بشرياً أو إلهياً ، الحقيقة شأن طبيعي ، فإمّا أن نجتهد فنتعرف على قوانين الطبيعة أكثر ، فنقترب من الحقيقة أكثر ، أو نتجاهل هذه القوانين ، فتصير الحقيقة في وادٍ ونحن في واد .

أما القبول بالآخر واحترامه ، فها أنا أثبته عملياً ، ليس بالرد عليك ، بل بهذا الحوار ، فمجرد الحوار هو اعتراف بالآخر ، وإلاّ صار المرء مجنوناً يتحدث مع نفسه . وأعلن أنني أحترم كل حرف قلتَه أيها الأخ بير ، بما في ذلك وصفك لأخلاقي بأنك رأيتها غير سمحة ، فلا أشك للحظة أنك تسيء لي ، بل تعاتبني ، ولا أشك للحظة أن أخلاقي هي بيت القصيد فيما قلت ، بل الخوف على هذا الوطن / بلا هوية .

دفعة واحدة ، ودون أن يكون ما أكتب ردّا ، بل هو مقال ، ودون قلق أو تردد ، ودون خوف من قيادة اللغة ، وبالاتكال على العقل ، فإنني أعلن أنه على صعيد المواطنة : إذا كانت العروبة تجمعنا ، فأعلن أنني عربيّ ..... وإذا كانت السورية تجمعنا ، فأعلن أنني سوريّ .... وإذا كانت الكوردية تجمعنا ، فأعلن أنني كوردي .... وإذا كانت الآشورية تجمعنا ، فأعلن أنني آشوري .... وإذا كان الإسلام يجمعنا ، فأعلن أنني مسلم .... وإذا كانت المسيحية تجمعنا ، فأعلن أنني مسيحي ... وإذا كانت الصابئية تجمعنا ، فأعلن أنني صابئيّ .... وإذا كانت السنية تجمعنا ، فأعلن أنني سنيّ ..... وإذا كانت الشيعية تجمعنا ، فأعلن أنني شيعي ..... وإذا كانت العلوية تجمعنا ، فأعلن أنني علوي ... وإذا كانت المارونية تجمعنا ، فأعلن أنني ماروني ..... ..... وإذا كان هذا العالم يجمعنا ، فأعلن أنني أممي .... فما الذي يمكن أن يجمعنا فنسعى إليه ، وما الذي يمكن أن يفرقنا فنرفضه رفضاً باتاً ؟؟؟

وعلى صعيد الوطن فإنني أعلن ، لو كانت حدود العالم هي حقيقة وحسب الواقع ، هي ما يؤمن لي وللآخر سلامي وسلامتي وحريتي وسعادتي ، وكذلك لأطفالي ولأطفال الآخر ، فالعالم وطني وسمّ هذا العالم ما شئت .... كذلك ،إذا كانت الأرض الممتدة من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي هي حقيقة ما يؤمن لي وللآخر سلامي وسلامتي وحريتي وسعادتي ، وكذلك لأطفالي ولأطفال الآخر ، فوطني هو الوطن العربي ، وسمّ هذا الوطن ما شئت .... وكذلك إذا كانت سوريا الطبيعية هي ما يؤمن لي وللآخر سلامي وسلامتي وحريتي وسعادتي ، وكذلك لأطفالي ولأطفال الآخر ، وسمّ سوريا سوراقيا أو ما شئت ...... وإذا كانت كوردستان هي حقيقة وحسب الواقع ، هي ما يؤمن لي وللآخر سلامي وسلامتي وحريتي وسعادتي ، وكذلك لأطفالي ولأطفال الآخر ، وسمّ كوردستان ما شئت ...........................

لا يملك امرؤ على وجه هذه الأرض أن يقرر قيام أمة أو أن ُينِشئ أمة ، فالأمة واقع طبيعي ، وليس اختراعاً بشرياً ، ولا يملك امرؤ أن يحدد وطن ، فالوطن هو المساحة التي تمتد عليها دورة حياة تلك الأمة وحيوتها .

حيث تتسع دورة الحياة ، يتسع تنوع عناصر وحدة الأمة ، وتتسع حدود الوطن . وحيث تتقلص دورة الحياة ، يتقلص تنوع الأمة ، وتتقلص حدود الوطن .

ودورة الحياة لا تستطيع أن توسعها خارجاً عن قوانين الطبيعة والحياة ، لكن يمكن لسيدين عدوين مثل سايكس وبيكو ، وعلى سبيل المثال فقط ، أن يمزقا أوصالها كما حصل فيما سبق ، ويمكن أن يمزقها أكثر ( بوشاكو ) ( بوش + هولاكو ) .

ليست الأفكار عندي هواية أو رغبة أو انتقائية ترفيّة ، سعادتي وسلامي واستقراري ومستقبل أولادي مع جاري وأولاده ، هي هدفي .

ليس التحزب هدفاً لي ، بل إني لا أحبّ التحزب لأنه صار هدفاً بحدّ ذاته ، فإذا قبلته فلتحقيق هدف السعادة والسلام والاستقرار لي وللآخر ، فإذا لم يكن كذلك وصار هدفاً بحدّ ذاته ، نبذته وابتعدت عنه ، لكن دون أن أستسلم .

تقول أيها الأخ في ( ردّك ) على الأستاذ فيصل قاسم : (( ... بما معناه سوريا هو وطن السوريين مهما كانت قبائلهم، قومياتهم، دينهم ومذهبهم وتلونهم السياسي ومن حق الجميع أن يمارس كل خصوصياته ... )) . أوافقك أيها الأخ على كل حرف في هذه العبارة من بدايتها إلى كلمة السياسي ضمناً ، أما بعدها ، وبعد أن صارت سوريا وطناً لنا ، فلا خصوصية بيننا ، بل هذه خصوصيتنا / هويتنا . وإن لم نتلاعب بالألفاظ فالخصوصية هي الهوية ، أما عاداتنا وتقاليدنا فهي إلى تقارب حين تكون لنا تلك الخصوصية التي أعنيها ، أما التي تعنيها أنت فأعتقد أنها لن تجعل من سوريا وطناً للسوريين كما ابتدأتَ قولك .

بالنسبة لي ، لا أعرف من أي جذر أنا ، ولا أريد أن أعرف ، ولا يهمني إن كنت عربياً أو سورياً أو كوردياً ، ما يهمني اجتماعي بك على خصوصية تميزنا معاً ولا تميزني عنك ، أريد خصوصية تجمعني بك ، ليس عنصرية وليس تعالياً على شعوب الأرض ، بل من أجل أن نستطيع التعاطي معاً ، مع واقع هذا العالم ، فنحقق كرامتنا وسعادتنا .

أخيراً ، الكثير الكثير يمكن أن يقال ، لكنّ إذا كان حوارنا ( وليس المقصود حوارنا كفردين ) حتى اللحظة فيه خير للآخرين ، فهو خير ، فإذا لم يكن ، فهو بلا لزوم ، ودمتم .