بشار السواح

بادئ ذي بدء, أنا لست ستالينيا, و لم أنجح يوما في أن أكون كذلك. ومن جانب آخر, فإن من يعرفني يعرف أنني كنت طيلة حياتي السياسية مناوئا للإسلاميين المتطرفين أو لمن يؤدلجون الإسلام.

و أنا عندما أعيد مقولة " الوطن في خطر" التي أطلقها ستالين في مقابل النازية, إنما أقولها مجددا في وجه ما هو أقسى من النازية, ألا وهي الهمجية الأمريكية و سياسة اليانكي المتوحش.

و مع احترامي لمن ساهم و يساهم في حماية الوطن, إلا أنني لست هنا في معرض للدفاع عن الدكتور قدري جميل و مجموعته, فلديه أخصائيون في الدفاع عنه, أكثر قدرة مني, و لديهم قواميس هائلة من الكلام الرادع, و طبيعي أيضا أنني لست محاميا عن الإسلاميين.

إلا أن ما جاء في مقالتي الأستاذ وائل السواح "هل الوطن في خطر؟" (السفير) و"تنافس سوري بين السلطة و المعارضة على الشارع الإسلامي" (الحياة) قد استفزتاني خاصة و أنني أعيش في المرحلة الأخيرة حالة من التوحد مع الوطن لم أصادفها حتى أيام هزيمة حزيران.

إن التصدي لحماية الوطن ليس حكرا على مجموعة تجمعات و أحزاب تعتبر نفسها صاحبة حق في ذلك و إنما هو مهمة أمام كل وطني شريف. لذا فأنا لا أرى سوءا في أن تتشارك عدة شخصيات و هيئات للتعبير عن راي موحد و أن نحاول جمع أكبر عدد ممكن من هذه القوى, و إذا رأينا أن بعض الموقعين من منتهزي الفرص فعلينا كشفهم و عزلهم, دون أن نسفه مجمل الفكرة النبيلة.

سوريا ليست الاتحاد السوفييتي نعم, و الوقت الراهن ليس زمن الحرب العالمية فعلا. لأن الحقيقة أن بوش القذر أخطر بما لا يقاس من هتلر, و ما تقوم به أمريكا (باعتبارها القطب الأوحد) في العالم يفوق بمراحل ما كانت النازية تقوم به آنذاك. فأمريكا استباحت العالم و اعتبرته مزرعة ملحقة بها, و بدأت بتنظيفه ممن يرفض ذلك في أي نقطة من العالم.

و لاشك أن ما يحدث في سوريا اليوم هو حلقة من حلقات مماثلة تحدث في كل أنحاء العالم و الغريب أن كثيرا من المفكرين و الباحثين السوريين يقعون في المطب الذي هيئ لهم وهو أن أصل المشكلة هو احتمال مساهمة سورية في اغتيال الحريري و الحقيقة أن من ينظر للموضوع بحيادية يعرف أن سورية هي الدولة الشرق أوسطية الوحيدة التي مازالت خارج الحظيرة الأمريكية و يجب اخضاعها, و أي سبب أسهل من استغلال التورط السوري في لبنان يحقق ذلك.

و أنا أرى نفسي اليوم أمام رأيين واضحين متعاكسين مطروحين للتسويق أمام الشعب و العالم. الأول يتبنى نظرية المؤامرة, و أن كل ما يحدث سببه خارجي. و الثاني يعتقد أن سبب ما يحدث هو خطر داخلي مزدوج "الاستبداد و الانقسام المجتمعي" إضافة إلى مجموعة من الأخطار الجانبية المتمثلة بالفقر و الأمية و التردي الاقتصادي و تراجع الفكر العلماني...إلخ. والحقيقة كما أراها أن الأساس هو الموقف الأمريكي من سورية, لكن هذا الموقف لم يكن ليحقق أي تقدم أو نجاح لولا الوضع الداخلي الصعب الذي وجدنا نفسنا فيه. فالوطن في خطر ثنائي القطبين, عدو شري خارجي يتمثل في أمريكا بقوتها العسكرية و الاقتصادية و حليفتها اسرائيل, المتأهبة دائما للانقضاض علينا, إضافة إلى طابور العملاء اللبنانيين الذين سرحوا كالكلاب المسعورة ضد سورية. و عدو أكثر شراسة في الداخل, وهم كثر لا يمكن عدهم, أولئك البرجوازيون الطفيليون اللصوص و أبناؤهم اللذين أفرزتهم السلطة طيلة خمسة وثلاثين عاما, وهم نوعان: الأول يحاول الحفاظ على النظام ليضمن استمرارية تراكم ثرواته عن طريق امتصاص ما تبقى من ثروات البلاد، والثاني اكتفى و بدأ يشعر أن النظام بات عبئا عليه فبدأ يجمع ثرواته و يهربها إلى خارج البلاد و تسفير عائلته للخارج, تمهيدا للمغادرة و للانضمام إى جوقة أعداء الوطن في الخارج, فمنهم من نجح في ذلك, مثل يهوذا الخدام, ومنهم من حاول و جرى إعادته من المطار, ومنهم من ينتظر.و يضاف إليهم البرجوازيون الطفيليون الذين باتوا يشعرون أن عليهم استلام القرار السياسي بعد أن استلموا القرار الاقتصادي, وهذا لن يتم برأيهم إلا بتغيير النظام بأي ثمن.

لكن الأخطر من كل ما سبق, هو الموقف السلبي للمواطن السوري الذي قضى عمره كله تقريبا تحت نير قانون الطوارئ و غياب الحياة السياسية و منع الأحزاب, وفوق كل ذلك المستوى المعيشي و الاقتصادي الذي آل إليه نتيجة سرقة الثروات الوطنية من قبل عدد من اللصوص و أبائهم المحتمين تحت عباءة النظام. فكيف الخروج من هذا المأزق. من الواضح أنه كلما قدمت سورية تنازلا طالبوها بتنازل آخر, وهكذا.. الحل في التصدي وهذا يتطلب أولا المهادنة عن طريق التعاون الممكن مع لجنة التحقيق من أجل سحب الفتيل, و ثانيا أن تعد سورية نفسها داخليا باستنهاض الجبهة الداخلية و توحيدها (ليس عبر الأغاني الوطنية و خيم التضامن) و إنما بالقضاء على العدو الداخلي, بتطبيق سياسة المحاسبة و المسائلة بحزم, و أن تمنع كل المشبوهين من السف مع التحفظ على أموالهم و عائلاتهم ريثما يعيدوا للوطن كلما سرقوه. وأن نعيد للمواطن كرامته و حقه بالعيش في وطنه بكامل الحقوق و توزيع الثروة الوطنية بشكل عادل, وضمان الأمان للمواطن عن طريق أجهزة مدنية للأمن, و قضاء عادل نزيه, وضمان صحي شامل, ونظام تعليمي يضمن تكافؤ الفرص, و ضمان فرص عمل للجميع بالتساوي, فنحصل بالتأكيد على مواطن سوري متماسك يملك في الوطن ما يحرص على الدفاع عنه, فنعزز بذلك جبهتنا الداخلية عن طريق اصدار قانون عصري للأحزاب, و تعديل قانون الصحافة واشاعة الديمقراطية في البلاد.

عند ذلك نكون قد أعددنا جبهة داخلية متماسكة قوية, و مواطنا صلبا, يعطي حياته مقابل الحفاظ على وطن يضمن له حريته و كرامته. ولتكون جهود هذه الجبهة قوية و متماسكة يجب أن ينضوي تحت لوائها كل شرائح الوطن. فهل نغفل شريحة المواطنين الإسلاميين داخل التنظيمات أو خارجها. خاصة و قد أعلن الإخوان المسلمون برنامجا يعترف بالتعددية وبتداول السلطة بالديمقراطة. الله سبحانه و تعالى يحاسب على النوايا لأنه مطلع عليها, أما نحن معشر البشر, فنتعامل مع المعلن و الظاهر, و كل ما هو معلن و ظاهر عند الإسلاميين حتى الآن يدخل في إطار الحد الأدنى المقبول لتشكل جبهة شعبية عريضة تتصدى لحماية الوطن و بنائه من جديد.

وإذا وضعنا نصب أعيننا الأسوأ, فإن علينا تجهيز الجماهيير و تعبئتهم معنويا ووطنيا وعسكريا, وتشكيل مجموعات سرية للنضال ضد كل تدخل عسكري محتمل.