محمـد العبـد اللـه

مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية الفلسطينية المقررة في الخامس والعشرين من الشهر الحالي، تتسارع حركة القوى السياسية المشاركة بهذا الاستحقاق الانتخابي، باتجاه تأمين أوسع مشاركة شعبية في هذا "الاستفتاء" الذي سيشكل عند العديد من القوى المشاركة، حسب برامجها الانتخابية "قفزة هائلة على طريق بناء المؤسسات الديمقراطية" ولدى آخرين من الكتل والمرشحين المستقلين "انتفاضة ديمقراطية حقيقية"! مع تأكيدات تتفاوت حدتها لدى العديدين على ضرورة "اسقاط اتفاق أوسلو المذل"، ناهيك عن تراكم مئات الكلمات المنمقة لدى غالبية المرشحين، حول ضرورة النضال من "أجل تأمين شروط حياة كريمة للمواطنين، وضرب مواقع الفساد، وضمان حقوق المرأة بالمساواة عبر قانون أحوال شخصي عصري". على الضفة الأخرى من المشهد، أعلنت "حركة الجهاد الاسلامي" رفضها المشاركة بالانتخابات لاعتبارات سياسية محددة، لكونها إحدى افرازات اتفاق أوسلو. كما دعا التيار القومي العربي في فلسطين، من خلال بيان له حول الانتخابات التشريعية، تحت عنوان "لا ديمقراطية بدون حرية" جماهير الشعب الفلسطيني إلى "مقاطعة الانتخابات التشريعية للحكم الذاتي تحت الاحتلال لأنها تهدف إلى _ تشريع _ الوضع الراهن وتكريسه، لأن موازين القوى التي أفرزت أوسلو على الأرض لم تتغيّر، بل تعززت، ولأن اجراءها يمثل سقوطاً في وهم الاصلاح الذي يسوقه أصحاب اوسلو وخارطة الطريق". لكن الأهم والأخطر في دعوات الرفض للانتخابات، سواء كانت "تأجيلا ً لها أو مقاطعتها ترشيحاً وانتخاباً" جاءت من قوى "تبدو" موحدة في قائمتها وقرارها! فالعديد من المجموعات المسلحة المرتبطة بشكل أو بآخر بحركة "فتح" طالبت في أكثر من مناسبة بتأجيل الانتخابات، كضرورة راهنة، تفرضها الحالة الداخلية المأزومة لحركة فتح، مهددة في حال اجرائها باغلاق مراكز الاقتراع، عبر فرض أجواء التوتر والفلتان في الشارع، وهو مايهدد في حال حصوله بانفجار الوضع الداخلي الشعبي، الذي لايستطيع أحد التكهن بمدى تناثر شظاياه. كما جاءت بعض التحركات لرموز أساسية من حركة حماس، بالاعلان عن رفضها لمشاركة الحركة بالانتخابات، لتشير إلى وجود تناقضات حادة في التعامل مع الاستحقاق الانتخابي. الشيخ "أحمد نمر" العضو البارز في حماس دعا إلى المقاطعة الكاملة من خلال "تحريمها شرعياً" منتقداً بشدة مشاركة الحركة بها متسائلاً "ماذا اختلف عن انتخابات عام 1996، فجميعها تتم تحت سقف أوسلو، وأين شرعية المقاومة وأولويتها لتحرير فلسطين في البرنامج الانتخابي للحركة ؟" .

على أرض الواقع التي تتحرك عليها فصول المشهد، تبدو الاجراءات الاجرامية الوحشية التي يفرضها العدو المحتل، الصاعق الذي يمكن له أن يفجر المشهد بكامله. فالاغتيالات التي تستهدف المقاتلين لم تتوقف، وهي تتحرك وفق الخطة الجهنمية التي تنفذها قوات القتل في الجيش وأجهزة الاستخبارات من جنين وحتى رفح. وقد جاءت المجزرة الرهيبة التي شهدتها قرية "روجيب" بمنطقة نابلس قبل أيام، لتؤكد أن عمليات "الإعدام" التي يمارسها العدو بحق شعبنا، لاتفرق بين مقاوم مسلح أو أم طاعنة بالسن أو طفل صغير. يترافق كل ذلك، مع الخطوات التي بدأت تعمل بها قوات الاحتلال منذ بضعة أيام، والتي ظهرت ملامحها من خلال تقسيم الضفة إلى ثلاثة معازل عنصرية، مما يؤدي إلى محاصرة أكثر من ثمانمائة الف فلسطيني، بذريعة ملاحقة أبطال "حركة الجهاد الاسلامي". فالقرار الذي بدأ تطبيقه على الأرض من خلال عشرات الحواجز العسكرية_ دون الإعلان عنه أو بإبلاغ الفلسطينيين بالقيود المفروضة عليهم _ أدت إلى منع سكان جنين وطولكرم ونابلس من التنقل، إضافة لاغلاق الطريق الرئيسي بشمال الضفة بثلاث بوابات حديدية، مترافقاً كل ذلك باستمرار بناء جدار الفصل والضم الفاشي/ العنصري حول المدن والقرى، والاستعاضة عنه "مؤقتاً" حول القدس بالسياج المعدني.

إن إجراءات "عمليات العزل" كما يسميها جيش الاحتلال، لاتعدو كونها استمرار فاشي لسياسات اجرامية متتالية، تنفذها حكومات العدو المتعاقبة .

كما جاءت قضية مشاركة المقدسيين بالانتخابات، لتدفع بقضية المدينة / العاصمة لتحتل المركز المتقدم، بعد أن غابت لسنوات عن أولوية قضايا الصراع، لأن عملية_ تهويد المدينة والتضييق على سكانها، وتوسيع الأحياء اليهودية فيها، وضم المستعمرات المحيطة بها للمدينة_ لم تكن تحظى ببرامج عمل السلطة بالأهمية التي تفرضها معركة القدس. وعلى الرغم من نهاية عملية التضليل الأمريكية /الصهيونية حول الموافقة (بعد الممانعة) على اجراء الانتخابات أسوة بما حصل سابقاً، فهذا لم يمنع العدو من وضع اشتراطاته "منع النشاط الانتخابي لحماس" وتم تنفيذ ذلك بالاعتقالات، ومداهمة المكاتب الانتخابية للعديد من الكتل. إضافة لحملة اعتقالات ومضايقات للمرشحين والنشطاء من قائمة الشهيد أبو علي مصطفى في بيت لحم وطولكرم. أمام هذه التطورات التي ترافق فصول المشهد، يتساءل المراقبون عن امكانية تحقيق الانتخابات في موعدها المقرر، وعن النتائج المتوقعة في حال تنفيذها، رغم الشوائب العديدة المرافقة لها، فإجراءات السلطة في السماح لعناصر الأجهزة الأمنية (حوالي ستين ألف عنصر) للإدلاء بأصواتهم في مراكزهم ومعسكراتهم قبل ثمان وأربعين ساعة من بدء الانتخابات، فسره الكثيرون على أنه "تدخل فاضح في العملية الديمقراطية" والدور، الذي لم يعد مخفياً، لمنظمات الدعم الخارجية لبعض المرشحين، فعشرات الملايين التي يتم انفاقها في حملات شراء الذمم، تزكم رائحتها الأنوف، فالجميع يتحدث عن "المال السياسي" وإفساده لشرائح واسعة بالمجتمع، وعن تدني درجة الانتماء السياسي، وغياب ثقافة المعرفة بالعملية الانتخابية، وبروز ظاهرة الانتماء العشائري / العائلي / الجهوي .

بانتظار اليوم الموعود، ستبقى عقول وعيون الملايين مشدودة لمتابعة المشهد، على أمل أن تكون نتائج ذلك اليوم أقل ضرراً على الشعب والقضية .