منذ نحو شهر أعلن عبدالحليم خدام أحد أهم ركائز الحكم في سورية انشقاقه عن النظام الحاكم الحالي، شانا هجوما حادا على القيادة السورية متمثلة بالرئيس بشار الأسد، متضمنا بعض الشخصيات السياسية والأمنية التي يبدو انه لم يكن على وفاق معها في الفترة الأخيرة.

ربما نستطيع أن نفهم كشعب سوري دوافع خدام السياسية للإنشقاق على الحكم الذي قضى فيه ما يقارب ثلاثين عاما من عمله السياسي متدرجا من محافظ حتى وصوله لمنصب نائب رئيس جمهورية وتربعه على هذا المنصب لاعوام كثيرة كان يمثل خلالها الرئيس الراحل حافظ الأسد في اكثر من موقع ويمسك اكثر من ملف مهم في السياسة السورية، منها على وجه التحديد الملف اللبناني الذي كان لهد دور كبير جدا فيه تميز في بعض جوانبه بالايجابية، كدوره في وقف الحرب الطائفية بلبنان، في حين كان سلبيا في جوانب اخرى مثل تكريس التفرقة السياسية بين الاتجاهات السياسية اللبنانية المختلفة والحرص على عدم اتفاقهم.

ويمكن ان نفهم ان المرحلة الاخيرة من الحكم السوري منذ تسلم الرئيس بشار الأسد للسلطة لم تكن على هواه فلم ينسجم مع القيادة السورية الجديدة وطريقة تسييرها للامور في البلاد، لاسباب تتعلق ربما باختلاف الايديولوجيات السياسية بين الطرفين او باختلاف النظرة السياسية بين العهدين القديم والحديث واختلاف اساليب التعاطي مع المتغيرات التي طرأت على سورية في الاعوام الاخيرة ابتداء من سقوط صدام في بغداد الى اغتيال الحريري في بيروت.
ونفهم كذلك انه ربما كان له طموحات سياسية ظهرت اخيرا بعد ان استشعر ان السكاكين الخارجية كثرت على الأسد السوري فاراد ان يقدم نفسه كبديل له بانضمامه الى المعارضة التي لم تجد فيها أميركا حتى الان من تؤهله امكانياته وخلفياته السياسية، ليكون الخليفة المناسب في سورية في حال قررت العمل على اطاحة النظام في سورية, وهو بهذا الانشقاق يعطي الفرصة لاميركا باعادة النظر في الموضوع هذا اذا لم يكن هناك اصلا صفقة ما او تسوية متفق عليها بين خدام والاميركيين والفرنسيين.

نفهم ايضا ان تجميده ووضعه على رفوف السياسة السورية منذ ما يقارب الخمسة أعوام وابعاده عن مركز القرار السوري قد يكون أحد أهم اسباب إعلان انشقاقه من باريس التي حسب قوله قصدها للتفرغ لكتابة تلك المرحلة التاريخية المهمة في تاريخ سورية والتي عاصرها، وكان له دور بارز فيها، والتي حسب قوله كانت مرتعا للفساد والسلب والنهب ومفرخة للسارقين والمارقين والمنتفعين، ولا ندري هنا بالضبط ان كان لم يدرك هذا الواقع إلا أخيرا، أم ان منصبه السياسي ومصلحة الوطن كانت انذاك تقتضي ان يغض الطرف، ام ان مسؤولياته الجثام ومشاغله الكثيرة ومهماته الخطيرة كانت اهم من ان يضيع وقته في محاولات الإصلاح في ذلك الوقت؟
لكن ان يحاول اقناعنا بأنه ما انشق إلا ليعود برؤية إصلاحية جديدة ترفع معها الفقر عن الشعب السوري الذي حسب تعبيره وصل لدرجة البحث عن لقمة عيشه في القمامة، وان يوقف انتشار الفساد في البلاد، وان يحاسب كل مسؤول عن اخطائه التي ارتكبها سواء في سورية او في لبنان، وان يوقف الحرامية عن بناء القصور في ضيعهم من أموال الشعب السوري، وان ينشر الديموقراطية والاصلاح الذي بات نغمة كل منشق توقف استنفاعه من خيرات سورية، وان يعيد المليارات التي اودعت بالحسابات البنكية الخارجية لصفوة القوم الى عقر بنوكنا، وأن,,, وأن,,, وأن,,, فاسمح لنا يا أبا جمال,,, اسمح لنا على حد قول وليد جنبلاط، لان الشعب السوري يعرف تماما كيف تحولت ربع دمشق الى املاك خاصة لعبدالحليم خدام وأولاده، ويعلم بجميع الصفقات التي كانت تتم لتدمر الاقتصاد السوري وبنيته البيئية، ابتداء من صفقة دفن النفايات النووية بالصحراء السورية، وانتهاء بغسيل الاموال في البنوك الاجنبية، ويدرك ان ثلاثين عاما في اقرب نقطة من مركز القرار السياسي كانت كافية لاثبات حسن النوايا الاصلاحية لو كانت متوافرة، وتنفيذ الرغبة في احقاق الحق لو كانت صادقة.

لكن يبدو ان المسؤولين السوريين منتهي الصلاحية والمنشقين والمبعدين والمنفيين والراغبين في الانشقاق، ابتداء من رفعت الاسد وانتهاء بخدام، تعودوا ان يغنوا موال الاعتراف بالخطأ بعد عجاف ليوعدونا بعودة الخير معهم لاعوام رهاف، ولا يعلن احدهم عصيانه وانشقاقه بيد الا ويقدم لنا بيده الاخرى اجندة جاهزة مفصلة لرؤية سياسية جديدة نعرف تماما انها مصنوعة بخيوط غربية تناسب طموحاتهم السياسية التي زينت لكل منهم ان يضع سورية تحت الوصاية.
فنرجوكم,,, ونرجوكم، ارفعوا أيدكم عن سورية، لانها ملوثة بملايين الميكروبات السياسية والفضائح الاقتصادية والجرائم التاريخية، ويكفينا من أمثال خدام ان يخرج من سورية بعد هذا العمر وهو لا يعرف ان الشعب السوري بتكوينه يفضل ان يموت فقرا وجوعا على ان يلتقط لقمته من القمامة.