عاد المتظاهرون الباكستانيون الى الشوارع مستنكرين الضربات الاميركية التي استهدفت ارهابيين يتخذون من باكستان مأوى لهم. هذا الغضب الذي عبر عنه المحتجون الباكستانيون، حجب نتائج استطلاعات للرأي اجريت قبل بضعة اسابيع وأظهرت امتنانا متزايدا من الباكستانيين على المساعدة العسكرية الاميركية لمواجهة الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد العام الماضي.

القرويون الباكستانيون الذين عبروا عن امتنانهم إزاء مساعدة أميركا لبلادهم بغرض درء آثار الزلزال المدمر، لم يتحولوا فجأة الى مهووسين متطرفين يهتفون «الموت لأميركا» في شوارع بيشاور، إلا ان عدم تقلب الرأي العام في باكستان، ورد فعل الحكومة تجاه المساعدات الاميركية يكشفان المؤشرات الاستراتيجية للسير غير المستقر لحرب ادارة الرئيس بوش ضد الارهاب العالمي.

ويمكن القول ان علاقة واشنطن المعقدة مع باكستان تنطوي على مخاطر اكثر من مجرد تقلبات الرأي العام وعدم استقراره، فالنظام العسكري للرئيس مشرّف يعتبر الاكثر صعوبة في ما يتعلق بتقبل محاربة واشنطن للجماعات الاسلامية المتطرفة.

لا شك في اهمية باكستان ومساعدتها في محاربة شبكة «القاعدة»، فبدون مساعدة مشرّف لن تستطيع أميركا وحلفاؤها في حلف شمال الاطلسي (الناتو) السيطرة على التمرد الذي شنه متطرفو «القاعدة» بقيادة اسامة بن لادن، وأتباع نظام «طالبان»، وبدون مشاركة مشرف لا يمكن ان يستمر ذلك التمرد بكثافته المتزايدة.

بمعنى آخر، لا يستطيع أي من الطرفين ان يعمل بمعزل عن الآخر، إلا ان كل منهما يتمنى ان يعمل بدون الآخر. هذا هو سياق الاختلاف المستمر إزاء الضربة الاميركية التي استهدفت قادة في تنظيم «القاعدة» في قرية دامادولا الباكستانية الاسبوع الماضي، وهو الحادث الذي جاء ضمن القضايا الرئيسية المفترض تناولها بواسطة رئيس الوزراء الباكستاني شوكت عزيز خلال زيارته هذا الاسبوع الى واشنطن.

صاروخ «هيلفايار»، الذي اطلق من طائرة استطلاع اميركية مستهدفا عناصر في تنظيم «القاعدة» كانوا يتجمعون في دامادولا، يحمل رسالة ملحة لمشرّف ومسؤولي استخباراته الذين ساعدوا في إنشاء «طالبان» و«القاعدة»، ويمكن تلخيصها في ان «المأوى الذي منح لعناصر «القاعدة» في مناطق القبائل الباكستانية على الحدود مع افغانستان، تجاوز حدود الغموض الاستراتيجي»، بعد أن تزايدت العمليات الانتحارية والهجمات والتفجيرات على نواصي الطرق ضد القوات الاميركية وقوات حلف شمال الاطلنطي، بالإضافة الى السلطات الافغانية في الأشهر الاخيرة. ولم تؤد التقارير الاستخباراتية الاميركية المقدمة الى السلطات الباكستانية حول مواقع الارهابيين وتحركاتهم عبر الحدود الى ردود افعال من السلطات الباكستانية خلال الفترة التي تزايدت فيها الاعمال الارهابية.

وقال مسؤول اميركي: «يمكنك رسم خريطة الحدود الافغانية الباكستانية بالنظر الى نماذج الاتصالات التي تمكنا من التنصت عليها. ويتحدث الاشخاص السيئون كثيرا في باكستان ويشعرون بأنهم في حالة آمنة، وتضيء المنطقة مثل اشجار اعياد الميلاد، ثم تهدأ عندما تعبر الحدود الى افغانستان حيث يخشون تعرضهم للقصف».

وقد ادى القصف الجوي على دامادولا، داخل باكستان وعلى بعد اربعة اميال من حدودها مع افغانستان، الى مقتل 4 من قادة «القاعدة»، كما اكد المسؤولون الباكستانيون، بينما اشار سكان القرى الى ان عدد القتلى 18 قتيلا، بما في ذلك بعض النساء والأطفال.

ويشعر مشرف بالسعادة لتحمل واشنطن المسؤولية الكاملة من وجهة الشعب الباكستاني.

الا ان هذا الحدث، والمسؤولية الاخلاقية، يبدوان أكثر تعقيدا. فقد تبعت غارة دامادولا حملة استمرت اسبوعا، لم تحظ بالاهتمام الكافي، على قرية سايدجي في شمال وزيرستان، حيث وصف السكان منظر طائرات الهليكوبتر التي تحمل جنودا اجانب تقبض على مشتبه فيهم وتطير بهم الى افغانستان.

وتبدو هجمتان محدودتان، تم التخطيط لهما بعناية، اكثر من مجرد صدفة وتصادف تصعيد العمليات الارهابية في افغانستان تصعيد آخر، لا يزال مستمر بدرجة منخفضة، تمثل في الهجمات الاميركية على الاراضي الباكستانية. ان فشل مشرف في الحد من الهجمات الارهابية في افغانستان بعد عملية سايدجي، ادى الى الهجوم على دامادولا ومقتل ابرياء هناك.

ان ادارة بوش لا تزال تطور محاولاتها «لتمكين وتشجيع» الدول الاخرى على الانضمام الى استراتيجيتها العالمية لمكافحة الارهاب، وهي في حاجة الى ضم حلفائها الاوروبيين والآسيويين الذين يساعدونها في محاربة شبكات الارهاب في افغانستان، في جهد منسق من الضغوط والمحفزات على الدول المهمة للغاية والخطيرة للغاية: باكستان.

وتحتاج واشنطن للضغط على مشرف بخصوص «القاعدة» و«طالبان»، حتى وهي تحاول دعمه في الداخل. وبغض النظر عما حققته وما لم تحققه، فإن غارة دامادولا قد كشفت للرئيس الباكستاني ما يمكن ان يخسره اذا ما استمر النشاط الارهابي في افغانستان بدون مواجهة من باكستان.