خسرت بورصة طوكيو الاسبوع الماضي نحو 300 مليار دولار في يومين، ثم استعادتها في يوم واحد. وعندما توحدت المانيا الغربية والمانيا الشرقية من جديد، قبل نحو عقدين، تكلفت بون ثمن التوحيد نحو ألف مليار دولار. والقاسم المشترك بين المانيا واليابان انهما دولتا عمل وانتاج واتقان فائق. لقد دمرتهما الحرب العالمية الثانية الى ركام وخرائب. وأصبحت كلفة طبع المارك الالماني في المرحلة الاخيرة من هتلر، اعلى من قيمته الشرائية. لكن نهوض الالمان من الركام كان عجيبا. لقد اقتضى الأمر رجلا عجوزا طيبا يدعى اديناور، وشعور الشعب الالماني بأنه يرفض الذل والاستعطاء والمساعدات، وما هي سنوات الا واصبحت المانيا الغربية في مقدم اقتصادات العالم. وكذلك اليابان.

ما اعظم الشعوب العاملة والمنتجة والتي ترفض وصمة التسول. ولا يعني ذلك النموذج الروماني زمن تشاوشيسكو يوم رومانيا بلدا بلا ديون خارجية لكن معدل دخل الروماني 20 دولارا في الشهر. والفارق هائل بين ارغام الشعب على الاشغال الشاقة وتحويل البلد الى سجن كبير، وبين فتح سبل الانتاج وفرص العمل واقامة اقتصاد صحي.

300 مليار دولار في يوم واحد! أين؟ في بلاد هيروشيما. لقد رفضت اليابان بعد الحرب التسلح النووي، هي الدولة الصناعية الخارقة. وقررت ان مكانتها في العالم، سوف تكون مكانة الدولة الاقتصادية الثانية، وليصرف الاميركيون كل اموالهم، اذا شاءوا، على الصواريخ والقنابل المدفونة في الأرض. كذلك رفضت المانيا، مجزأة وموحدة، خيار التسلح. ولكن دولة مثل العراق أصرت طوال اربعين عاما على صرف مداخيلها وثرواتها في محاربة اهلها في الداخل او دول الجوار. وفي مرحلة ما اصبحت قيمة الدينار العراقي مثل قيمة المارك ايام هتلر ومثل قيمة الدينار اليوغوسلافي ايام سلوبودان ميلوشيفتش.

هناك رؤيتان للسلاح النووي: الرؤية اليابانية او الالمانية، والرؤية الفرنسية الديغولية التي ترى في امتلاك القوة النووية رادعا اساسيا. بل ان جاك شيراك تحدث يوم الخميس الماضي عن استخدامها «ضد الارهاب» ولم يحدد كيف. غير ان فرنسا عندما انصرفت الى بناء قوتها النووية الضاربة، كانت قد انتهت من معظم الهموم المعيشية الأخرى واصبحت دولة صناعية كبرى. واكثر ما يستطيع الانتظار هو القوة النووية، الا اذا كان هناك من هو مستعجل لاستخدامها في مكان ما. ومعلوم ان العراق لم يستخدم قوته الا في جواره الايراني او العربي وترك مسألة تحرير فلسطين الى كرم الزمان. وفي أي حال، الدول الصناعية والعاملة، تسترد بورصتها 300 مليار دولار في يوم واحد.