لا أحب أن أتخيل أن ديك تشيني يحدّق فيّ وأنا استخدم محرك البحث ’’جوجل’’• السبب في ذلك أن ما أبحث عنه عبر ’’جوجل’’ هو ديك تشيني نفسه بالطبع• فأنا مضطرة إلى أن أرصد بشكل مستمر الكيفية التي يقوم بها نائب كبير المتجسسين الأميركيين بدفع الحكومة الفيدرالية كي تقوم بمراقبة ملايين الأميركيين العاديين بشكل دائم، ورصد محادثاتهم الهاتفية، ورسائلهم الإليكترونية وحتى استخداماتهم لمحركات البحث على شبكة الإنترنت• وإذا ما أردت أن تعرف السبب الذي يدعو كبير المتجسسين إلى تحويل بلاده إلى دولة بوليسية فما عليك سوى أن تقوم بإجراء بحث في ’’جوجل’’ من خلال الكلمات والعبارات التالية: ’’مكافحة الإرهاب’’، ’’دس الأنف الحكومي’’، و’’الطموح الزائد’’ و’’المعتوه’’•

كان من الصعب علينا يوم الجمعة الماضي أن نحدد ما هي القصة الأكثر رعبا: هل هي أن إسامة بن لادن لا يزال حيا ويهدد الولايات المتحدة، أم أن وزارة العدل تحاول أن تجبر مؤسسة ’’جوجل’’ على تحويل مجموعة كبيرة من المعلومات المشتبه بها والتي تم البحث عنها عن طريق المحرك بواسطة ملايين المستخدمين، وكذلك العناوين الإلكترونية الخاصة بهم للتحقيق على ما يفترض في الجرائم الإليكترونية بما فيها تجارة الجنس• إن الإنترنت مليء بالانحرافات الشريرة ولكن دس الأنف في شؤون الغير دونما مبرر لا يقل شرا عن ذلك• فالأميركيون الأبرياء- وليس فقط أولئك الذين يعانون من الوحدة - يمكن أن يسقطوا في شباك الصيادين عن طريق الإنترنت• ثم من يقرر ما الذي يشكل تجارة جنس وما الذي لا يشكل؟

عندما سئل عما إذا كان شريط أسامة بن لادن الجديد صحيحا أم لا••• بدا صوت تشيني وكأنه صوت موظف في شركة ’’موفي فون’’ العاملة في مجال التوزيع الفني وهو يقول: ’’ربما يكون الشريط المنتج من نوعية رديئة’’، حسنا ربما لم يتمكن بن لادن بعد من الارتقاء لمستوى شرائط الـ’’دي في دي’’ ولكن المهم أنه لا يزال حيا على الرغم من تهديدات ’’دبليو’’ منذ زمن بأنه سيجبر ابن لادن على الخروج من مخبئه ثم يصطاده بعد ذلك• بعد الغارة الجوية التي قامت بها طائرة أميركية دون طيار في منطقة الجبال الفاصلة بين باكستان وأفغانستان، أشار مسؤولون أميركيون في البداية إلى أنهم قتلوا أيمن الظواهري أو زوج ابنته على الأقل أو صديق لزوج ابنته• ويوم الجمعة قامت ’’القاعدة’’ بإرسال شريط يحتوي على أحدث إنتاج الظواهري من الشعر وهو ذلك المسمى ’’أشعار للمجاهدين’’ وهي شيء يعادل عندنا كتاب ’’دموع في عيون الزمن’’• إن أيا من أعمال بوش التي قام بها تحديا للقانون والدستور، وكذلك الأموال التي أنفقناها، والدماء التي سفكناها أو دماؤنا التي سفكها الغير في العراق••• لم تساعد رجال بوش الأفذاذ على الإمساك بالرجل الذي لا بد أن يمسكوا به• أليس هذا بالشيء الذي يبعث حقا على الانزعاج؟ الأسوأ من ذلك أن ’’دبليو’’ ونائبه لا يكلفان أنفسهما حتى عناء التظاهر بالضيق، لأن أسامة بن لادن لا يزال حرا طليقا، بل إنهما لا يبديان حتى انزعاجا للتهديدات التي كالها الرجل في شريطه الأخير•
وحقيقة أن المتطفلين أو المتجسسين الفيدراليين قد تحولوا إلى مخبرين يقومون برصد المحادثات الهاتفية، تظهر الحالة المؤسفة التي وصلت إليها أجهزتنا الاستخباراتية• وحتى عملاء الـ’’إف• بي•آي’’ يشعرون الآن كما لو أنهم كانوا يضيعون وقتهم في التنقيب عن بطاقات المكتبات، وتعقب الأرقام التي يتضح في النهاية أنها أرقام مطاعم’’ بيتزا هت’’

ربما كان بمقدورهم أن يقدموا حجة على صواب ما يقومون به من لي لعنق الدستور، وجعله مطاطا وقابلا لاستيعاب كل شيء، لو كانوا قد نجحوا في الحصول على الكود السري الخاص بأسامة بن لادن، ونجحوا في كسر شبكة اتصالاته•

وفي الحقيقة إنني غير قادرة على فهم السبب الذي يجعل القبض على أسامة بن لادن على هذا القدر من الصعوبة؟••• وحتى إذا ما كان في منطقة جبلية وعرة في باكستان من المستحيل الوصول إليها كما يقال، فماذا يعنيه ذلك؟ ألم نقم بإرسال رجال من قبل إلى القمر؟ وألا يريد ’’دبليو’’ الآن أن يرسل رجالا آخرين إلى المريخ؟ هل هناك أرض أكثر وعورة من المريخ؟ وإذا ما كنا قد نجحنا في تحدي الاتحاد السوفييتي السابق، فإننا ربما نستطيع أن نعثر على الجحر الذي يختبئ فيه أسامة بن لادن على كوكب الأرض، ولكننا لن نستطيع أن نعثر على ديك تشيني على شبكة جوجل لأن موقعه محظور!
لقد بدا البيت الأبيض دائما أكثر اهتماما باستخدام بن لادن كذريعة لغزو العراق وكأداة لترويج سياسات معينة هدفها المعلن إلقاء القبض عليه• وكارل روف بعد أن استعطف القضاة من أجل ألا تتم إدانته، حاول أن يبعد عن نفسه وصمة التورط في فضيحة ’’ابراموف’’ من خلال الدعوة لشن جولة جديدة من الحرب على الإرهاب عام 2006 وذلك عندما قال: ’’نحن بحاجة إلى قائد عام وإلى كونجرس يفهم طبيعة وخطورة اللحظة التي نمر بها• والرئيس بوش والحزب الجمهوري يدركان ذلك تمام الإدراك ولكننا للأسف لا نستطيع أن نقول نفس الشيء عن الكثير من الديمقراطيين’’•

طالما أن الأمر كذلك، فلماذا نحّى البيت الأبيض أخطر التهديدات على الإطلاق جانبا؟