انتقال حقيقي أو تقطع في الذاكرة .. فرغم الهتافات الحماسية لكن الصورة لم تكن مكتملة وهي تتجاوز الفواصل خلال كلمة الرئيس في افتتاح مؤتمر المحامين العرب، لأن الأصوات لا تعيدنا فقط إلى الماضي القريب، فالأصوات مختلفة اللهجات، والهتافات المصرة على رفع الصوت لم ترسم لنا سوى صورة من الخطر ... أو الإحساس بأن المسألة باتت تتجاوز إحساسنا بأننا تحت ضغط قاس، إلى لون خاص لا يشعرنا بالأمان بقدر كونه مؤشرا على ان سورية على عتبة الرهانات.

الرئيس في نفس الوقت كان واضحا في التأكيد على مبدأ السيادة، وفي رفض انتهاكها وسط الأصوات التي ظهرت وكأنها لا تعلن التضامن بقدر كونها رغبة في التحرر من "الرهانات الدولية"، وربما جعلها هذا الأمر خارجة عن مألوف ما اعتدناه من "هتافات" تظهر أثناء "الخطاب السياسي". فبغض النظر عن موقفنا من هذه الحالة لكنها في خطاب الأمس شكلت مساحة علينا رؤيتها خارج سياق الظاهرة كما عرفناها، ويمكننا النظر إليها عبر الرغبة أو الإحساس بأن "المواجهة" في النهاية تخلف فينا قلقا خاصا.

لا يهمنا ما حملته الهتافات، أو أنها كانت مصرة على الاستمرار بعصبية واضحة، او حتى انطلاقها بلهجات معبرة عن الافتراق الواضح في المساحة الجغرافية. فالشأن الأساسي أنها تكرس فصام واضحا ما بين السياسة الدولية وواقع ينعكس داخل مجتمعات تحمل أزمات مواجهتها مع العالم ... فهل تختلف هذه الصورة عن الخمسينات أو الستينات أو .... وهل يمكن أن يتوقف الزمن فقط عن مواجهة مستمرة؟

إطار الحرب الذي فتحته "الثقافة الجديدة" بات واضحا، وهو على ما يبدو مازال يستفزنا على المواجهة، على الأخص بعد ان غدت حربا حقيقية في العراق ... وإذا كان البعض يعتبر اننا نحارب الولايات المتحدة من خلال إسرائيل، فإن القوات الأمريكية موجود اليوم على مساحة ثقافتنا.

لم تكن الهتافات يوما معبرا حقيقيا عن حالات "خارقة" ... إنها مؤشر فقط وسط ارتفاع واضح في مقاييس التطرف التي شهدناها على امتداد الأعوام القليلة الماضية.