أحمــد مهنا

كلمات خالدة كان يرددها القائد المعلم ياسر عرفات ، كان يقولها دوماً والابتسامة تعلو محيّاه ، يرددها في أوقات الشدة يذكر بها المقاتلين في ساحات القتال ، عاملاً على الشد من أزرهم ، ويتحدى بها الطامعين آملاً الفتّ من عضدهم وتفتير هممهم ، يوجهها لأبناء شعبه في أحلك الظروف وأشدها قسوة، مرتكزاً في ذلك وبكل ثقة على مدى فهمه لطبيعة هذا الشعب وإيمانه المطلق بعدالة القضية التي
يجاهد من أجلها وبالتالي حتمية النصر.

كان يعرف بأن الرياح ستهب وستذرّ الرمال في العيون ، وأن بعض الخيول ستكبو وبعض الفرسان سيترجل وأن الكثير من الأغصان
سيتقصف لا بل أشجاراً ستقتلع من شدّة العواصف ، لكنه كان مؤمناً بأن الجبل هو الأرضية الثابتة لن يتزحزح من مكانه ، أي أن هذا الشعب سيبقى مواصلاً لمسيرة نضاله مصراً على تحقيق أهدافه طال الزمان أم قصر .

بهذا الفهم لا بل بهذه الفلسفة استطاع أبو عمّار أن يواصل مشواره متنقلاً بين حقول من الألغام طوال حياته ، وبهذه القناعات استطاع أن يربي أجيالاً من المؤمنين بوحدة الهدف مهما اختلفت الوسائل وبذلك بقي القاسم المشترك للجميع مهما اختلفت الرؤى وتعددت الأفكار ، تفرّقوا إلاّ عنه وانفكّوا إلاّ منه فبقي جامعاً للشمل رمزاً للعطاء والبذل ، فالجبل هو الجبل بثباته، أمّا من على الجبل
فمتحرك بآلية يحكمها الظرف وتخضع لعلميّة البدائل .
عاد إلى فلسطين وفي رأسه مشروع بناء الوطن والمواطن الذي أفنى حياته مجاهداً في سبيل تحرّره كان يدرك مدى خطورة العودة كما كان يدرك لحضن من سيعود .

شعر بدفء لم يذق طعمه من قبل وواجه تحديات منها ما كان يتوقعه ومنها ما كان مفاجئاً له ، فعملت على زيادة روح التحدي لديه وقبل بالمواجهة على اختلاف أنواعها وتعدد ميادينها ، لم يدفن رأسه في الرمال عند هبوب العواصف والمحن بل واجه وقاوم واتخذ القرارات الصعبة في أحلك الظروف ، عين على عدوّه يقارعه
وينازله وعين على شعبه يعلمه ويبث فيه روح الأمل وفنّ الحياة ، وبذلك عاش الرجل قائداً ومات قائداً .

ها هم أبناء فتح الأوفياء أبطال الأمس وعمالقة اليوم تلاميذ أبو عمّار المخلصون يواصلون المسيرة يحملون على عاتقهم مع رفاق دربهم مشروع التحرّر
الوطني ، يلقون خلف ظهرهم كلّ ترّهات الأنانيّة والتعصب وحب الذات مدركين بأن الوطن أكبر من الجميع متفهمين لحتميّة التاريخ ومصير الزبد الذي يذهب جفاءً ، يعيدون إلى ذاكرتهم الطريق الصعب الذي شقّه من سبقهم من الأبطال والشهداء ، مدركين بأن المرحلة مرحلة غرم أكثر منها مرحلة غنم ، يضعون نصب عيونهم ما آلت
إليه أوضاع شعبهم وما يفعله الخصم من أجل إفشالهم وتدمير مسيرتهم وإلغاء منجزاتهم بزعزعة ثقة الجماهير بهم . سيبقى أبناء فتح هم المعلمون الأوائل عند خوضهم معركة بناء المؤسسات التي عمل المخلصون من أجلها فها هم يرفعون راية الديمقراطية والقبول بصناديق الاقتراع حكماً بينهم وبين منافسيهم ، يضربون بذلك
أروع الأمثلة في فنّ التعليم وفهم إدارة شؤون الوطن ، إنّهم يقبلون بالتعدديّة والقبول بالآخر لشق طريق البناء المؤسساتي الفاعل ، مدركين بأن هذه المعركة لا تقلّ ضراوة عن معارك حمل السلاح لا بل إنها أعمّ وأشمل سواء من حيث اتساع الرقعة أو مثالية الهدف .

إنها معركة الديمقراطيّة بما لها وما عليها في هذا الظرف الصعب والمعطيات الشحيحة .

لقد تعود المخلصون من أبناء فتح على ركوب الصعب وتحمل مشاقّ التجديد .

أبناء فتح يدركون بأن شجرة النخيل الباسقة معطاءة دوما تحتضن في ظلالها الكثير من الأشجار المثمرة والمنتجة غالباً ، وقد عملوا
على ذلك . ولكن عليهم المحافظة على بقاء شجرتهم عالية تعانق السماء والمحافظة على من في ظلالها ما دامت التربة خصبة والفائدة عامّة .

يا شعبنا الأبيّ داخل الوطن وخارجه ، يا جبلنا الذي لا تهزك الرياح ولا تفت من عضدك العواصف ...نخيلكم ....نخيلكم ، حافظوا عليه و اعتنوا به ، ازرعوا منه كلّ جديد منتج معطاء ، اقتلعوا منه كلّ الشوائب ، وازرعوا في ظلاله كلّ ما طاب لكم من ليمون وبرتقال . لا تقطعوا نخيلكم واعلموا بأن أشجار الظلّ لا ينموا
تحتها إلاّ ما حقر من الأعشاب . النخيل أكثر عطاءً وأطول عمراً وأكثر الأشجار تحملاً لظروف البيئة وتحولات المناخ . نخيلكم هي فتح بما لها وما عليها ، مدركاً بأنكم أدرى بظروف زراعتكم ، فأنتم الجبل الذي لا تهزّه الرياح ولا تزحزحه العواصف.