بصرف النظر عن بعض الاعتبارات تظلّ العلاقات بين الدول انعكاساً لطبيعة الانظمة ومدى تقارب أو تطابق مصالحها، وينطبق الأمر نفسه على العلاقات الإيرانية السورية، فهي وإن شهدت مستويات متدنّية جداً وصلت إلى حدّ الصدام السياسي في فترة ما قبل الثورة الإسلامية فإن بعدها ولعوامل عديدة ايضاً أفضت الى علاقات هي في الواقع أكثر من تقاطع في المصالح وصلت في بعض الفترات والملفات الى علاقات من مستوى استراتيجي يعكس مدى الاستهدافات التي تلاحق كلا البلدين في منطقة تعج بالصراعات والتدخلات والمصالح الأجنبية التي لا ترحم.

فمع خروج مصر من دائرة الصراع العربي الإسرائيلي وسقوط حكم الشاه في ايران تشكلت النواة الأولى لتقريب المسافة بين دمشق وطهران على قاعدة العديد من المصالح المشتركة التي تخدم السياسات الخارجية لكلا البلدين، وكذلك في مجال تدعيم أسس النظامين في الداخل، وعلى الرغم من بعض تباين المواقف إزاء بعض الملفات التي واجهت المنطقة فإن أموراً كثيرة جمعت الطرفين الى حدود التحالف في الحالات التي وصلت حدود التهديدات الى مستويات خطرة ومنها الاحتلال الأميركي للعراق، ما دفع العلاقات بين البلدين الى مستويات غير مسبوقة، ومن الواضح ان زيارة الرئيس الايراني احمدي نجاد الى سوريا تأتي ترجمة لهذا الواقع المفروض في المنطقة. فما هي التحديات التي تواجه البلدين وما هو المتوقع كردّ لدفع ما يمكن أن يستهدف الدولتين؟

بالنسبة لسوريا، هناك العديد من الملفات ذات الطابع الاستراتيجي، التي لن تتمكن دمشق منفردة من تجاوزها من دون نسج تحالفات تؤدي الى تفاعلات سياسية إقليمية مختلفة عن التفاعلات التي سادت المنطقة سابقاً، فالعلاقات الأميركية السورية مقطوعة وإن وُجدت كوة في قناة اتصال ما فهي لإيصال رزم المطالب التي لم يعد لها حدود وهي من النوع غير القابل للمساومة أو المقايضة، كما كانت سائدة في العقود الثلاثة الماضية، فدمشق وإن انسحبت من لبنان تحت ضغط القرار الدولي 1559 فهي مطالبة، ولو بطرق غير مباشرة بتطبيق باقي بنوده وأبرزها سلاح المقاومة في لبنان والذي يعتبر حاجة سورية وإيرانية مشتركة لمواجهة الضغوط الأميركية الإسرائيلية المشتركة. إضافة إلى السيف المسلّط على دمشق في ملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتداعياته، ناهيك عن عقدة الممر او المستقرّ للدول الأجنبية من لبنان باتجاه سوريا والتي تمثل ربط النزاع الدائم في السياسة الخارجية السورية.

وفي المقلب الآخر من سوريا، فالولايات المتحدة الاميركية وقواتها لن تعد مجرد قوة عظمى تقود النظام العالمي بل باتت على حدود سوريا، وهي في موقع مشاريع الاشتباك الدائم مع سوريا بحسب متطلبات الوضع العراقي وتداعياته، وعلى الرغم من تقديم دمشق الكثير في هذا الملف بالذات لم تتمكن من التملص من الضغوط المتزايدة والقابلة للاستثمار في الوضع الداخلي السوري، على قاعدة قانون محاسبة سوريا، مروراً بمشروع القانون الأميركي لتحرير لبنان وسوريا وكل ذلك في وقت غابت اي مشاريع تسوية او مفاوضات سورية إسرائيلية.

أما بالنسبة إلى إيران فالأمر لا يقل تعقيداً عن الوضع السوري، فطهران المحاصرة سياسياً ودبلوماسياً، حتى الآن، بالملف النووي لم تتمكن من التخلص لا من التهديدات الإسرائيلية المباشرة ولا من الضغوط الأميركية، كما لم تستطع اختراق الترويكا الأوروبية في ملف المفاوضات للنفاذ الى مواقع مريحة لإعادة خلط الأوراق والانتقال الى مراحل اخرى اكثر امناً على مستوى الواقع الداخلي والخارجي لإيران. وكما دمشق كذلك طهران لم تتمكن من الاستثمار الفاعل لسقوط نظام صدام حسين، فهي وإن تخلّصت من مشروع الاستنزاف الدائم لقواها فقد حلّت مكانه عملياً قوة عظمى لن توفرها، وهي عقدة كأداء في تنفيذ مشروع الشرق الاوسط الكبير.

وإذا كانت الملفات الخارجية التي تواجهها إيران هي من النوع غير القابل للتفاوض مع واشنطن أو غيرها من الدول الفاعلة على المستويين العالمي والاقليمي، فإن الوضع الداخلي لا يقل تأثراً من الوجهة الاميركية، فوصول أحمدي نجاد الى سدة الرئاسة وبصرف النظر عن التوصيفات التي أُعطيت له، يبقى من وجهة النظر الاميركية رئيساً متشدداً شارك في احتلال السفارة الأميركية في طهران، وهو من الوجهة نفسها امتداد للسياسات الخارجية للجمهورية الاولى الايرانية، وبذلك لم تتح واشنطن حتى الآن أي فرصة لايران لتحسين مواقعها الإقليمية.

إن سوريا وايران تمكنتا ولأسباب واعتبارات متنوّعة ومتعدّدة من لعب أدوار إقليمية بارزة ليس على قاعدة الظروف العرضية بقدر ما هي سياسات مقررة وتندرج في إطار مصالح النظام على الصعيدين الداخلي والخارجي، ومن هذا المنطلق تبدو ان طبيعة الظروف المحيطة بالبلدين كما أوضاعهما الداخلية تحكمان عليهما بممارسة هذه الأدوار والطموحات الإقليمية، بالقدر الذي يزعج، إن لم نقل يقلق، قوى إقليمية اخرى، ما يحتم على الجانبين البحث الدائم عن صيغ للعلاقات تتعدى تقاطع المصالح بهدف الوصول الى قواعد قابلة للاستثمار في القضايا الاستراتيجية للبلدين.

إن التدقيق في اوضاع المنطقة والظروف الدقيقة التي تمر بها كل من دمشق وطهران في الحسابات الأميركية تقودنا الى استنتاجات مفادها ان زيارة الرئيس الايراني الى دمشق لن تكون زيارة تأتي في ظروف استثنائية فقط، وعلى الرغم من وجود اللجان المشتركة بمختلف الانواع والصعد، وعلى الرغم من تكرر زيارات مسؤولي البلدين وبشكل دوري، الا ان المرحلة الانتقالية التي تمر بها بعض الدول في المنطقة لا سيما لبنان والعراق وما يشكّله هذان البلدان على مستقبل كل من سوريا وإيران سيحتّم على الجانبين اتخاذ قرارات ربما تضع المنطقة على مفترق طرق من الصعب الرجوع فيه إلى الوراء، وما يبرر ذلك العديد من الأمور، أبرزها:

أن واشنطن قد حزمت أمرها كما يبدو بخصوص الموقف من طهران ودمشق ونظام الحكم فيهما، فتحت مسمّيات الحريات والديموقراطية والانظمة الشمولية وغيرها من المصطلحات المستحدثة ك<<الحكم الجيد>> و<<الشفافية>>... وصولاً الى <<دول محور الشر>> لم تعد واشنطن مقتنعة بفائدة التحاور وهي ترى ان التخلص من المتاعب هو اوفر حظاً من اي خيار آخر.

إن إسرائيل، التي تمكنت من استثمار كل تداعيات احتلال العراق بفعالية كبيرة، لن تجد أنسب وأفضل من هذه الظروف لفرض شروطها حتى ولو بالقوة، ليس باتجاه الصراع العربي الإسرائيلي فقط بل كذلك بالعديد من ملفات المنطقة ومنها الملف النووي الايراني.
إن غياب أي دور فاعل وحقيقي على المستوى الدولي باتجاه قضايا المنطقة ومنها الدور الأوروبي والروسي والصيني سيحمل كل القوى المتضررة من السياسات الأميركية تذهب باتجاهات أكثر تشدداً، وبالتالي تغليب الحلول الأمنية غير القابلة للحياة على الحلول السياسية المفقودة أساساً.

واستناداً على ما سبق هل سيكون بمقدور كل من سوريا وايران المضي في المواجهة بمعزل عن عوامل وقوى إضافية مساعدة؟ وهل لا زال بالإمكان المراهنة على متغيرات دولية ما؟ وهل لا زالت عدة العمل التقليدية قادرة على تقطيع الوقت لفترات إضافية ريثما يتمكن الطرفان من إنجاز الملفات الاستراتيجية ذات النوع أو الطابع الردعي؟ أسئلة محيرة تنتظر ما يمكن أن تتمخض عنها زيارة أحمدي نجاد لدمشق.