يأمل لبنانيون كثيرون في أن تعيد موافقة مجلس الوزراء على اقامة مكتب تمثيل لمنظمة التحرير الفلسطينية في بيروت وهي تمت قبل اسابيع قليلة، الحوار المقطوع بين الحكومة اللبنانية والفصائل الفلسطينية المتنوعة حول تنظيم العلاقة بين دولة لبنان "وفلسطينييه" اذا جاز التعبير وخصوصاً حول الانتشار الفلسطيني المسلح خارج المخيمات والذي يشكل في نظر معظم اللبنانيين نوعا ًمن الخطر على الوضع الداخلي الهش اساساً نظراً الى تشعباته الاقليمية المعروفة.

هل هذا الأمل في محله؟

لا يبدو كذلك في رأي عدد من الخبراء الجديين في العلاقة اللبنانية – الفلسطينية. فضلاً عن ان بعض هؤلاء يعتبر الأمل المذكور مثل "أمل ابليس في الجنة". وأسباب هذا الجواب المتشائم كثيرة ومتنوعة. منها غياب أي وحدة فعلية بين الفصائل الفلسطينية التي تمثّل اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان. ومنها ايضاً وقوع هذه الفصائل في التناقضات الأمر الذي زرع في ما بينها بذور المنافسة والخصام وحتى العداء الذي حال ولا يزال يحول دون التقائها على موقف موحد من مشكلة "فلسطينيي لبنان" ووسائل معالجتها. ومنها ثالثاً وقوع الفصائل نفسها اسيرة التجاذبات الاقليمية – الدولية التي كانت دائماً موجودة في لبنان والتي اشتدت حدتها بعد التطورات الدراماتيكية التي شهدها منذ اكثر من سنة والتي كان آخرها انسحاب الجيش السوري من اراضيه في 26 نيسان الماضي. وهذا الوقوع في الأسر قسّم الفصائل المذكورة فريقين احدهما تمثله منظمة التحرير الفلسطينية واستطراداً السلطة الوطنية الفلسطينية المنبثقة منها، والآخر تمثله الفصائل العشرة الموالية لسوريا وجعلها على تناقض كبير ليس فقط في كل ما يتعلق بالموضوع الفلسطيني والقضية الفلسطينية بل ايضاً في كل ما يتعلق بلبنان. فالموالون يتفهمون دعوة الحكومة اللبنانية واطراف الغالبية اللبنانية الى ازالة السلاح الفلسطيني والمواقع الفلسطينية المسلحة الموجودة خارج المخيمات وقد عبر عن ذلك زعيمها ورئيس السلطة الوطنية محمود عباس (ابو مازن) اكثر من مرة وفعل الأمر نفسه ممثله الشخصي الذي أوفده الى لبنان أكثر من مرة ايضاً خلال الاشهر الماضية. والموالون لسوريا وتالياً المختلفون مع المنظمة لأسباب شاملة تبدأ بطريقة ادارة الصراع المسلح مع اسرائيل وحلفائها واستمراره وتنتهي بالتحالفات الضرورية للنجاح في هذا الصراع لا يمانعون رسمياً على الأقل في الحوار مع السلطة اللبنانية حول قضايا الخلاف الفلسطيني كلها لكنهم لا يبدون جاهزين لتلبية أي مطلب لهذه السلطة وان كان يصب في تعزيز أمن لبنان وسيطرته على أوضاعه وتقوية العلاقة اللبنانية – الفلسطينية. وبعد احتدام "الصراع" أخيراً بين بيروت ودمشق صار فلسطينيو الأخيرة اذا جاز التعبير على هذا النحو جزءاً من الاستراتيجيا السورية لمواجهة "الردة" اللبنانية على سوريا بل لمحاولة التخلّص منها بالقضاء عليها فضلاً عن مواجهة اميركا وحلفائها الاقليميين الذين تخوض معهم او يخوضون معها معركة شرسة.

هل يساعد تعيين منظمة التحرير الفلسطينية مديراً لمكتبها "الديبلوماسي" في بيروت في ترتيب العلاقة اللبنانية – الفلسطينية وتحييد الوضع الفلسطيني عن الصراع الداخلي الدائر سواء بقي سياسياً أم تحوّل عسكرياً وعن الصراع اللبناني الدولي – السوري الايراني؟

لا يعتقد الخبراء أنفسهم ان ذلك ممكن. فالمدير الذي سيعين سيكون ممثلاً للمنظمة وسينفذ سياساتها المختلفة عن سياسة الفصائل العشرة المتحالفة مع سوريا وربما مع ايران الأمر الذي يجعل فاعليته محدودة. علماً ان التعيين في نفسه لا يبدو بالسهولة التي يتصورها كثيرون رغم ان جمهور المنظمة والفصائل المنتمية اليها في مخيمات اللاجئين "اللبنانية" أكبر بكثير من جمهور الفصائل الأخرى. والسبب الرئيسي لذلك هو تمتع القيادات الفلسطينية في لبنان التابعة للمنظمة ولأكبرها حركة "فتح" بما يمكن تسميته الحكم الذاتي بعد رحيل الزعيم الراحل ياسر عرفات ومنظمته الى تونس ثم الى الاراضي الفلسطينية المحتلة بعد اتفاق اوسلو عام 1993. وكاد هذا الحكم ان يتحول استقلالاً عن المركز في فلسطين لانشغال المسؤولين عن الاخير في قضايا مصيرية متنوعة. ومن شأن ذلك ان يزود القيادات الحالية للمنظمة في لبنان حق "الفيتو" على قرارات السلطة في فلسطين اي حق الاعتراض على من تقترحه مديراً لمكتب لبنان. و"رئيس" مخيمات لبنان أو "فتح" فيها قد يتصرف الآن على انه المدير الحقيقي معتمداً على سيطرته الامنية والعسكرية على المخيمات وعلى "فتح" وحلفائها وعلى قدرته وقت الحاجة على رفض قرارات السلطة. اما في "فلسطين" فان السلطة والمنظمة تعرفان هذا الأمر لكن لا تعرفان كيف تعالجانه. علماً ان الاتجاه عندهما الآن على ما تقول معلومات متسربة من هناك يميل الى تعيين ديبلوماسي رفيع من خارج فلسطينيي لبنان في لبنان على ان يعاونه الفلسطينيون المقيميون فيه. وحتى في حال تجاوزت السلطة وقيادات المنظمة في لبنان مشكلة رئيس المكتب وفي تلافي تحولها أزمة، يلفت الخبراء أنفسهم، الى ان هناك مشكلة أخرى قائمة قد لا تسهل على مدير المكتب وهيئته ازالة العقبات من طريق تفاهم السلطة اللبنانية والفلسطينيين. والمشكلة هي نجاح سوريا في الدرجة الأولى وربما حلفاء اقليميين كبار لها في تحقيق اختراقات متنوعة داخل قيادات منظمة التحرير في لبنان الأمر الذي يمكنها من توظيف لا الفصائل العشرة الموالية لها وحدها فقط بل كل الفصائل وجمهورها الكبير أو على الاقل معظمها في عملية المواجهة التي تخوض مع لبنان ومع المجتمع الدولي على أرضه. والدور الفلسطيني في هذه المواجهات قد يكون مهماً ذلك انه قد يكون التعبير الميداني الأول لها. اذ من جهة بدأت شوارع لبنانية عدة تعبأ ضد السلاح الفلسطيني والقواعد الفلسطينية خارج المخيمات. وبدأ هؤلاء يتحضرون عملياً لمواجهة هذه الشوارع بالتعبئة الموجودة اساساً بالسلاح والمقاتلين الذين لا يبدو ان تحركاتهم فضلاً عن نقل أسلحتهم تواجه اعاقة جدية من القوى الأمنية اللبنانية الرسمية واي شرارة عفوية او متعمدة تفجر الوضع. وفي حال كهذه يتساءل اللبنانيون اذا كانت قواتهم الرسمية قادرة على معالجة الموضوع. ويتساءلون اذا كانت الانقسامات اللبنانية المعروفة تحول المشكلة او التفجير مع الفلسطينيين مشكلة أو تفجيراً بين اللبنانيين.

هل يعني ذلك ان مشكلة فلسطينيي لبنان ومشكلة لبنان معهم ستبقى بلا حل؟

يرجح الخبراء في الوضع الفلسطيني أنفسهم ذلك. لكنهم يخشون ايضاً ان تكون سائر المشكلات الحالية التي يعانيها لبنان غير قابلة للحل ايضاً وخصوصاً بعد الاصطفافات الاقليمية والدولية الاخيرة المعروفة وبعد تحول لبنان الساحة الرئيسية للمواجهة المتصاعدة والطويلة بين اصحاب هذه الاصطفافات. والخطر كل الخطر هنا هو ان يعود اللبنانيون ادوات كما كانوا في الماضي رغم اقتناعهم بالعكس.