سليم الحص
خمس مرات رئيسا للوزراء في لبنان

سيلفيا كاتوري :

قبلت بأن تخدم بلدك في الفترات الصعبة، فتقلدت رئاسة الوزارة أربع مرات.ألم تخش قط من الوقوع ضحية اغتيال، كما جرى لعدد ممن سبقك؟

سليم الحص:

جرى تعييني رئيسا للوزراء من عام 1976 حتى1980. وجرى انقطاع في تلك الأثناء، حيث توجّب عليّ تشكيل حكومة جديدة. صرت إذن، في تلك الفترة، رئيسا للوزارة مرتين. وكنت وزيرا في حكومة رشيد كرامي، حين اغتيل في عام 1987. فجرى بعد اغتياله تعييني رئيسا للوزراء. فكانت المرة الثالثة. وحين انتُخب رونيه معوض رئيسا، بعد اتفاقيات الطائف،اختارني أيضا رئيسا للوزارة، فكانت الرابعة. وأخيرا، في بداية عهد الرئيس إميل لحود، صرت رئيسا للوزارة طيلة عامين. فأكون شغلت ذلك المنصب خمس مرات، لا أربعا.

سيلفيا كاتوري:

دخل لبنان مجدّدا مرحلة من الغموض. فما من شيء جرى حلّه في فلسطين. وإسرائيل ما زالت تحتل مزارع في جنوب لبنان مع هضبة الجولان. والولايات المتحدة تتهدّد سورية بعقوبات وتدخّلات. أليست تلك العوامل كلها مصدر مخاوف لبلادكم أيضا؟

سليم الحص:

لست شديد التفاؤل بشأن المستقبل المنظور. فنحن في المنطقة نجابه تحديات شتى: في لبنان وفي فلسطين وفي العراق خصوصا. ونخشى كثيرا من أن ينتشر ما يجري في العراق، ليتردد في كافة أرجاء المنطقة. فقد جرى الشروع في أشياء كثيرة بهدف التسبب في اضطرابات مدنية أو حرب أهلية في العراق. وفي سبيل تأجيج نار الحساسيات العرقية والمذهبية. ونخشى كثيرا أيضا من إمكان حصول انفجار بين السنة والشيعة وأن يشكل ذلك بداية حرب عربية دينية في العراق. ولئن حصلت، فلن تظل محصورة في العراق، بل ستصيب ببلائها منطقة الشرق الأوسط كلّها. ذلك أن الحساسيّات نفسها قائمة في سورية وفي لبنان وفي العربية السعودية، وفي المنطقة كلّها...وهكذا فنحن نخشى من وجود مخططات أو مداولات ترمي الى تفتيت الشرق الأوسط الى كيانات ضئيلة، بهدف دمجها داخل " شرق أوسط كبير".

وأعتقد أنه مخطط أميركي يرمي الى غرضين اثنين. الأول هو التخّلص مما اصطلح عليه، زمن جمال عبد الناصر، بالقومية العربية. فلقد رفع أبناء ذلك الزمان لواء القومية العربية، لمقاتلة إسرائيل وأميركا. ومنذئذ وهذان البلدان يسعيان جاهدين لتدمير ما يدعى بالقومية العربية وتبديدها.

ذلك في الواقع ما يرمي إليه مشروع "الشرق الأوسط الكبير". لأن من شأن ذلك المشروع أن يستبعد قسما كبيرا من المواطنين العرب من المنطقة، مثل العرب في شمال أفريقيا، الذين لن يكونوا جزءاً من المشروع. كما أن المشروع سيشمل أقواما من غير العرب، مثل إيران وتركيا وقبرص وإسرائيل. فما حال الشعوب العربية آنذاك؟ لن يبقى هنالك من شعب عربي.

أما الغرض الثاني من ذلك المخطط، ومن وضعه موضع التطبيق، فذو علاقة في الواقع بطريقة تطبيقه. فنحن نسمع قولاً قادما رسميا من أميركا اسمه "مناطق إنشائية" أو "بنائية"، وتهدف الى تعديل الكيانات السياسية الحالية، بتحويلها الى كيانات ضئيلة، كيانات متنازعة. وواقع الأمر أنهم بدؤوا بالعراق، الذي أضحى مرشحا للتشرذم الى ثلاثة كيانات على الأقل، ناهيك بأكثر. ولئن جرى ذلك في العراق. فمن شأنه أن ينتقل بالعدوى الى المنطقة كلها. لأن ظاهرة مماثلة سوف تنشأ في سورية، ثم في لبنان بالتأكيد، وفي العربية السعودية. فالحساسيات هي نفسها في الشرق الأوسط كلّه. هنالك محاولات يومية ترمي الى إثارة النزاع. محاولات يومية في العراق. تفجير سيارات، وتفجيرات في المساجد. لكن الحرب الأهلية لم تنشب بعد، فليس هنالك هياج يؤدي الى حرب أهلية. لكننا نخشى من أن يؤدي الضغط الى إثارة نعرات تمتد من العراق الى لبنان. ففي لبنان مثل تلك المحاولات لإثارة خلافات بين الشيعة والسنة، وبين المسلمين والمسيحيين. ولئن وقع ذلك فسوف يتكرر، ولن يقتصر على لبنان وحده، بل سيلهب المنطقة كلها. أنا خائف جدا حيال المستقبل القريب، إن خوفي لشديد. فعلينا أن نتصدى للتحديات التي تواجهنا الآن. ولنأمل أن تسير الأمور نحو الأفضل في لبنان.

سيلفيا كاتوري:

ألا تعتقد أن اغتيال رفيق الحريري خدم مصالح تل أبيب وواشنطن، وقدّم لهما المسوغ ليجعلا من سورية الضحية المقبلة؟ أليست إسرائيل المحرّض الأوّل على الفوضى التي تعم المنطقة؟ ألا ينبغي على الزعماء العرب أن يكفوا عن تطبيع علاقاتهم مع إسرائيل والولايات المتحدة - المثيران الحقيقيان للقلاقل والاضطرابات - وأن يشعروا بالسخط جراء ما يلحق هذان البلدان بشعوبهم من آلام؟

سليم الحص:

أنت على حق، فالعرب لا يشكّلون جبهة موحدة في وجه تلك التحديات. وتؤدي الولايات المتحدة وإسرائيل، دور ذرّ بذور الفرقة بين العرب. ويشاء سوء الطالع أن تكون مشكلتنا الكبرى غياب الديمقراطية. ولو كان العالم العربي أكثر ديمقراطية، لكانت إرادة الشعوب أقرب إحداها الى الأخرى مما هي عليه حاليا بين زعماء شتى البلدان العربية. فالزعماء هم الذين يتولون الآن قيادة بلدانهم نحو وجهات أخرى. ولو كنا ديمقراطية، لكانت الإرادة الشعبية هي العليا. إن الديمقراطية هي ما نفتقر إليه. فزعماؤنا في البلدان العربية لهم مصالحهم الخاصة واعتباراتهم الخاصة. إنهم مفرطون في مجاملتهم لأميركا، مفرطون في خوفهم من أميركا. فهم في واقع الأمر يخشون أميركا. لذا ترينهم في الغالب يسعون الى المهادنة، بل يمضون أحيانا الى ماهو أبعد بكثير. وليس ذلك عن قناعة، بل بدافع من الخوف أو الإحساس بالعجز. ومن شأن ذلك أن يجعل الجبهة العربية، لسوء الحظ، ضعيفة جدا وفي غاية الهشاشة، في وجه الرياح التي تعصف بها انطلاقاً من الولايات المتحدة ومن إسرائيل.

سيلفيا كاتوري:

ألا تعتقد أن من واجب الأسرة الدوليةأن تفرض على إسرئيل المعاملة نفسها التي فرضتها فيما مضى على نظام الفصل العنصري، الذي كان قائما في جنوب أفريقيا؟

سليم الحص:

بكل تأكيد. ويتعلّق الأمر هنا بما لدينا من أدوات، لكننا لا نستخدمها. وكان ينبغي لها أن تكون أسلحتنا في وجه إسرائيل. كان علينا أن نرغم الأسرة الدولية على أن تلزم إسرائيل باحترام حقوق الإنسان. لكنك ترين في الواقع، أن في المسالة مفارقة: أميركا تفعل ما تشاء، تحت اسم الحرب ضد الإرهاب. وليس من تعريف دولي للإرهاب. فنحن نعرف أن كل فعل وكل عنف يُمارس ضد مدنيين بأهداف سياسية، هو إرهاب دون أدنى شك. وأن الإرهاب مرفوض، ينبغي شجبه ومقاومته.أما في السياسة الأميركية، فأضحى الإرهاب وجهة نظر.

إن جاء العنف من جانب الفلسطينيين أو اللبنانيين أو العراقيين، أيا كانت طريقة استخدامه أو الهدف منه، كان إرهابا. أما إن جاء من الجانب الإسرائيلي، فهو دفاع مشروع عن النفس، حتى إن وقع فوق أراضي شعوب أخرى. فإسرائيل تحتلّ أراضي شعوب أخرى، وتدعو ذلك دفاعاً عن ا لنفس. وعلى ذلك فالعنف الذي يستخدمه الإسرائيليون لا يدعى إرهاباً. فأنت لا تسمعين أبداً عبارة "إرهاب إسرائيليً". إنك تسمعين عن الإرهاب الإسلامي. ويستخدم الإسرائيليون أيضا أسوأ أشكال العنف. كما تمارس الولايات المتحدة أبشع أشكال العنف في العراق:إنهم يقتلون المدنيين في واقع الأمر. وحين يقومون بتدمير مدينة بكاملها في العراق، والفلّوجة مثال على ذلك، لا يشغلون أنفسهم بمعرفة من قد قتل. أليس ذلك إرهابا؟ حين يمارس الأميركيون العنف، فإن عنفهم يخدم قضية الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. تلك هي المفارقة! إنه العنف، لكنهم يعرضونه من منظورات مختلفة. فالعنف الأميركي يخدم قضية الحرية وحقوق الإنسان. وهكذا أضحى العنف وجهة نظر. لكن من عساه يجرؤ على قول ذلك لأميركا؟

من اليسار الى اليمين :أندرياس فان بولو ،سليم الحص، انريك رومان هرنانديز، وصبحي توما خلال مؤتمر محور من أجل السلام في بروكسيل

سيلفيا كاتوري:

كيف تنظر الى تحوّل الديبلوماسية الفرنسية حيال سورية وانحيازها الراهن الى مواقف الولايات المتحدة؟

سليم الحص:

التفسير الوحيد المتوفر لدينا أن فرنسا تعلّق أهمية كبرى على تحالفها مع أميركا. فهي ترغب في تهدئة خواطر الإدارة الأميركية. وهذا ما يروق لأميركا. كما أن من شأن ذلك التعاون أن يؤمّن لفرنسا نصيبها. وأ نت تعرفين كذلك العلاقة التي كانت قائمة بين فرنسا والحريري. كان معروفاأيضا، لدى الجميع، مدى الصداقة الحميمة بين السيدين الحريري وشيراك، على صعيد شخصي. وقد يكون ذلك أثّر في السياسة الفرنسية بعد اغتياله، فناصر الفرنسيون القضية التي تتولى الولايات المتحدة متابعتها. ولا تكلفهم المتابعة كبير عناء. ونحن نعتقد على كل حال بأن الموقف الفرنسي مفهوم أكثر وذو قيمة أكبر من الموقف الأميركي. كما نأمل في أن يتغير الموقف الفرنسي الى منحى التحسّن حيال لبنان وسورية. والواقع أن الضغط الذي تمارسه أميركا وفرنسا بشأن القرار1559 سوف يشعل حربا أهلية في لبنان. فعليهما أن تفهما ذلك. لأنه أمر غير مسموح به.

سيلفيا كاتوري:

ألم تضع فرنسا، بانحيازها الأخير الى واشنطن، نفسها في ورطة وبطريقة طائشة؟ ألم يؤكد رئيس الموساد السابق “أليفي”، وجود مخططات لتأمين بقاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط طيلة عقود؟

سليم الحص:

إن تبدِ سورية الآن استعدادها لتوقيع اتفاق مع إسرائيل، فإن لبنان سوف يتبعها على الفور. وإن يحصل ذلك، تكوني على ثقة يا سيدتي من أن أميركا لن ترى من بعد مشاكل مع لبنان أو مع سورية. لقد رفعت الولايات المتحدة المشكلات في وجه سورية للترابط مع المقاومة في العراق والمقاومة في لبنان وفي فلسطين. لكن ذلك كلّه لا معنى له. إن ما تريد أميركا من سورية، هو أن تقوم بتوقيع اتفاقية مع إسرائيل، على منوال الاتفاقية الموقعة بين إسرائيل ومصر ثم بينها وبين الأردن. فإن تقبل سورية بسلك ذلك الدرب، تنته كافة المشاكل .

سيلفيا كاتوري:

أي أن نقول بشكل أوضح إن كل بلد يقاوم سيطرة واشنطن وحليفتها إسرائيل، لا بد من إخضاعه؟

سليم الحص:

تتمثل معضلتنا في أن أميركا بلاد ديمقراطية في الداخل، إستبدادية في الخارج. إنها في سعي لأن تملي على الشعوب الأخرى ما يتوجب عليها أن تفعل. إنها تقوم بذلك حيال لبنان وحيال سورية. ولا تستثني سوى إسرائيل. فليس من الديمقراطية في شيء أن تكون ديمقراطية في الداخل واستبدادية في الخارج.

سيلفيا كاتوري:

يقودنا ذلك الى القول أنه ما دامت إسرائيل لم تهزم المقاومة اللبنانية، ولم تطرد حزب الله من منطقة الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وأخيرا وليس آخرا، لم ترغم سورية على التخلي عن الجولان، فسوف تظلون جميعا وسط الجحيم؟

سليم الحص:

ذلك أمر طبيعي. فسوف تقوم معضلات كثيرة في المنطقة كلها. ذلك أن مشكلة الشرق الأوسط الحقيقية هي فلسطين. بل إن المشكلة العراقية: الحرب على العراق، واحتلال العراق، ذات خلفية فلسطينية. لقد اعتبرت إسرائيل العراق، على الدوام، قوة جبارة في وجهها.أما الآ ن، فالعراق أ ضحى خارج الحلبة.

سليم الحص
رئيس وزراء لبنان سابقا

ترجمة: عبود كاسوحة