المخطط أصبح واضحاً، وهو ليس قضية التفتيش عن الحقيقة في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ولا في اللعبة التي تمت مع القاضي ميليس، ولا في استدعاء الشهود، ولا في إطلاق الأخبار عبر المجلات والصحف الكويتية ضد الشهود والمعارضين، بل القضية هي قضية تطبيع علاقات لبنان مع اسرائيل واعتبار ان اسرائيل ليست العدو، بل إن سوريا هي العدو برأيهم.
عندما كنا ننتقد معهم الأخطاء السورية كنا نعتقد أن المسألة مسألة وطنية لبنانية، وإنه مع خروج الجيش السوري من لبنان ستبدأ الأطراف السياسية اللبنانية بالإنصراف الى بناء لبنان إقتصادياً وعمرانياً ومؤسساتياً، وتبدأ اللعبة السياسية الطبيعية في لبنان، فيما ننتظر من التحقيق الدولي أن يسير سيراً طبيعياً وفق الأصول القانونية، فما الذي جرى؟
الذي جرى يمكن اختصاره بالعبارة التي دخلت التاريخ على لسان وليد جنبلاط، وهي ان اسرائيل ليست العدو وان سوريا هي العدو، وبالتالي فإن المطلوب تحييد لبنان عن الصراع العربي ـ الاسرائيلي تمهيدا ًلمخطط التطبيع بين لبنان واسرائيل، مع توطين الفلسطينيين في لبنان والخضوع للشروط الاسرائيلية.
أكبر دليل على ذلك أن سعد الحريري لم يعلّق على كلام جنبلاط من هو العدو وكيف أنه يقبل كعربي بأن تصبح اسرائيل هي الصديقة وسوريا هي العدوة، كما أن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة لم يعلّق على الأمر متهرباً من الوضوح في هذا المجال، وكذلك فعلت الأكثرية الجديدة بكل أشكال الأكثرية مع جنبلاط.
المخطط كان واضحاً، ميليس يأتي بشهود ليخترعوا أخباراً وفق إرادة الأكثرية بدءاً بزهير الصديق مروراً بهسام هسام وعبد الحليم خدام وانتهاء بابراهيم جرجورة ويبني على تحقيق من خلال هؤلاء الشهود إدانات للناس، ويرفض تسليم المستندات الكافية السيد ميليس، لأن البروتوكول الموقع مع لبنان يسمح له بذلك، وتبقى الحقيقة هكذا ضائعة.
كنا ننتظر بعد انسحاب الجيش السوري ان تبدأ الأكثرية ورشة عمل، وأن تنطلق في العمل السياسي البرلماني والحكومي، ولكن الذي حصل هو تقرير تيري رود لارسن، ثم ترسيم الحدود، ثم شبعا، ثم سحب سلاح المقاومة، ثم سحب سلاح الفلسطينيين، ثم القرار ببيع قطاعات في الدولة وخصخصتها، وإطلاق تعهدات هنا وهناك دون الجلوس الى طاولة مجلس الوزراء ومشاركة كل أطراف الحكومة واتخاذ القرار فوق الطاولة بدل اتخاذ القرار تحت الطاولة.
المخطط أصبح واضحاً تحت ستار التفتيش عن الحقيقة، يجري اتهام الناس ويجري تمرير الصفقة الكبرى مع أميركا وهي التطبيع مع اسرائيل تدريجياً، حيث يجب أن يمر الأمر بتجريد المقاومة اللبنانية والفلسطينية من السلاح، وترسيم الحدود، وبناء جدار عازل بين لبنان وسوريا، ومن ثم تعهد فتح الحدود مع اسرائيل عبر الولايات المتحدة وغيرها.
ثمانية أشهر مرت وكان بإمكان لجنة التحقيق الدولية لو عملت ضمن الأصول أن تصل الى بعض النتائج بدل أن تقع في العثرات وتترك الشعب اللبناني ضائعاً يفتش عن الحقيقة.
وستة أشهر مرت على الحكومة كان بإمكانها أن تفعل الكثير للشعب اللبناني وترسخ الإستقرار، وتعمل للوحدة الوطنية، ولكن كيف يمكن أن يعمل للوحدة الوطنية من يعمل ضمن المخطط الأميركي الاسرائيلي؟
الازدواجية في الولاء لا يمكن أن تبني وطناً، ولا تبني مشروع وحدة وطنية، والمرتهن للمخطط الأميركي مستحيل أن يبني وحدة وطنية، والدليل على ذلك أن هذه الأكثرية الجديدة أخذت لبنان بعدما أصبح في وحدة وطنية إلى مشروع انقسامات مذهبية وطائفية، والدليل على ذلك ايضاً أنه في شهر واحد قام أحد أركان الأكثرية الجديدة وليد جنبلاط بالتصعيد بشكل أدى الى إعادة لبنان إلى أجواء عام 1975، وأطلق العبارة التاريخية بأن اسرائيل ليست العدو بل سوريا هي العدو.
المخطط ظهر على حقيقته، ومع ذلك نقول أنه بالإمكان إصلاح الأمور، والجميع يجب أن يشتركوا في إعادة الأمور الى نصابها وفي طليعتهم وليد جنبلاط، ذلك أن على وليد جنبلاط إذا استطاع، أن يخرج من المشروع الأميركي وأن يعود الى لبنانيته، وأن يعود الى عروبته، ونحن نقول بالعروبة الحضارية الديموقراطية، وعندها إذا قررت الأكثرية الجديدة الخروج من المشروع الأميركي وحتى الإسرائيلي والعودة الى لبنان فعندها ستبدأ مسيرة الوحدة الوطنية، وإنهاض لبنان