إفراج السلطات السورية عن المعتقلين السياسيين الخمسة الذي جرى اخيراً يمثل بداية انفراج، أو هذا ما نأمله. ولا بد ان يُستكمل هذا الاجراء بسلسلة ابعد من الخطوات "الانفراجية" التي تعزز الموقف السوري في وجه التحديات والمواقف الصعبة.

من هذه الخطوات الشروع باصلاح سياسي حقيقي، واطلاق الحريات العامة، ولا سيما حرية التعبير والرأي، والافراج عن جميع المعتقلين السياسيين، والغاء الاحكام العرفية والقوانين الاستثنائية.

سوريا في موقفها العصيب اليوم بحاجة الى تعاون كامل مع لجنة التحقيق الدولية، والعمل على تحسين العلاقات مع لبنان الشقيق. كما ان القيادة السورية بحاجة الى تضامن صفوف شعبها، وهذا لا يتم الا بوجود قيادة تبرهن على ثقتها بشعبها من خلال سلسلة من الخطوات الانفراجية التي تجعل الشعب يقف وراء قيادته بقوة؛ مثل السماح بتشكيل احزاب معارضة، واجراء انتخابات نيابية حرة.

ومحاربة الفساد تدخل في صميم الاجراءات الاصلاحية المطلوبة، حتى ولو طاولت رؤوساً كبيرة. فالفساد المستشري يسرق قوت المواطن وخزينة الدولة معا. ويساهم في خفض مستوى معيشة المواطنين الشرفاء مما يرغمهم على سلوك طريق الفساد للمحافظة على لقمة عيشهم على الاقل.

سمعنا الكثير عن محاربة الفساد ومحاسبة المسؤولين، وكانت حالنا كما يقول المثل: "اسمع جعجعة ولا أرى طحناً". هناك مسؤولون كبار في السلطة والدوائر المحيطة بها لا مصلحة لهم في محاربة الفساد لأنه "يقطع رزقهم" ويحد من نفوذهم. من هنا فان محاربة الفساد لن تكون سهلة. وربما تطاول رؤوساً كبيرة، ولكن لا بد منها من أجل استقرار اقتصاد البلاد، وشعور المواطن بالأمن المعيشي.

لا احسب انني اضيف جديداً الى ما يقوله ويكتبه المثقفون الغيورون في بلادنا، بل وما يتردد حتى على ألسنة المواطنين البسطاء، ما أريد أن أؤكد عليه امام الماسكين بزمام السلطة ان الانفتاح على الشعب، والغاء القوانين الاستثنائية التي تكبل حريته، يزيدهم قوة، ولا يهدد النظام، بل يزيده رسوخاً، ويمنحه التأييد والشعبية.

سوريا التي يتعرض اليوم بعض كبار مسؤوليها للتحقيق، بموجب قرار دولي، واقعة تحت ضغط ينبغي الا نقلل من شأنه. كما ان علاقاتنا مع الدول العربية الشقيقة والدول الصديقة يشوبها الفتور. اننا بحاجة الى تحرك واسع على الصعيدين الداخلي والخارجي معاً. كثير من المسؤولين العرب يقولون ان المسؤولين في سوريا هم الذين أوقعوا بلادهم في هذه الورطة. وهم لا يبدون الا اهتماماً فاتراً بأزمة سوريا. ورغم النشاطات والزيارات التي يقوم بها الرئيس الاسد وبعض المسؤولين السوريين الا ان من الواضح ان التأييد الرسمي العربي ظل فاتراً، وهو أقرب الى المجاملة منه الى التحرك الفعلي لمساندة سوريا. ويرى بعض المسؤولين العرب – ربما بشيء من الشماتة – انها أزمة النظام السوري. والحقيقة انها ليست أزمة النظام وحده، بل ازمة سوريا ككل. فأية عقوبة قد تتعرض لها سوريا ستشمل البلاد كلها بشعبها ونظامها... بل بشعبها بالدرجة الاولى.

من هنا لا بد من التلاحم بين النظام والشعب. واذا كان الافراج عن المعتقلين الخمسة من اصحاب الرأي والمنادين بالاصلاح هوخطوة اولى، فإن المواطنين ما زالوا يتطلعون الى خطوات جوهرية، مثل تشكيل الاحزاب وحرية الرأي والتعبير، واصلاح القضاء، ورفع الاحكام العرفية والقوانين الاستثنائية، والحد من صلاحيات المؤسسات الامنية، واخيراً وليس آخراً محاربة جادة للفساد والفاسدين، ومحاكمتهم ومصادرة أموالهم. اضيف ان تصحيح العلاقات مع لبنان وتعزيزها مفيد جداّ في هذه المرحلة. اللبنانيون يتطلعون الى ان تقدم سوريا على خطوات جادة لاعادة بناء الثقة بين البلدين. لا ينبغي ان ننتظر نتيجة التحقيق، بل ينبغي ان نشرع من الآن. ينبغي ان ننفتح على جميع الطوائف والقوى السياسية في لبنان، فثمة قوى كثيرة تؤيد بقوة اعادة العلاقات الوثيقة بين البلدين على اسس صحيحة. والشروع باتخاذ خطوات فعلية وبناءة من جانبنا على هذا الصعيد، وعلى مستوى التكافؤ والمصالح المشتركة، كفيل بازاحة هذه البرودة التي تكاد تصل – عند بعض الفئات – الى حد العداء بين البلدين الشقيقين وتصحيحها وبنائها على أسس سليمة.