تساءل مرجع ديني ما الذي يقصده الرئيس بشار الاسد في كلمته امام مؤتمر اتحاد المحامين العرب بقوله "ان مجموعات قليلة في لبنان ترفض سوريا انما هي "حالة عابرة"؟ هل يقصد بقوله هذا ان من تبقى من حلفاء سوريا في لبنان هم الاكثرية على ارض الواقع، او ان الاكثرية الحالية في لبنان سوف تتحول اقلية بوسائل الضغط والترهيب التي يلجأ اليها النظام السوري؟ وكيف يصف الاكثرية التي تكونت في 14 آذار وتمكنت من تحقيق انسحاب الجيش السوري من لبنان بانها اقلية؟ واذا كان الرئيس الاسد يعتبر الحالة السائدة بعد هذا الانسحاب "حالة عابرة" فهل يعني انه بتدخل سوريا في شؤون لبنان سيزيل هذه الحالة ويعيد الوضع في لبنان الى ما كان عليه قبل 14 آذار اي الى الهيمنة السورية؟

يقول نواب في "تحالف الاكثرية" انه تكفي مراقبة تصرف وزراء "التحالف الشيعي" وتحرك من تبقى من حلفاء سوريا في لبنان لمعرفة ما يخطط له النظام السوري لتغيير الحالة التي انبثقت من انتفاضة 14 آذار والتي وصفها الرئيس الاسد بـ"الحالة العابرة"... بحيث يجعل التدخل السوري سافرا في شؤون لبنان الداخلية لرفع معنويات مؤيدي سوريا في لبنان وقد باتوا محبطين وفاقدي الامل في العودة بلبنان الى ما كان عليه قبل 14 آذار.

ويضيف هؤلاء ان تبدل مواقف وزراء "التحالف الشيعي" تبريرا لاعتكافهم يدل على ان وراء ذلك ايحاء سورياً . فمن انسحاب من جلسة مجلس الوزراء كي لا يوافقوا على بيان يرد على اهانات الرئيس الاسد للرئيس السنيورة وللشعب اللبناني، الى مقاطعة جلسات مجلس الوزراء بحجة الاعتراض على طلب انشاء محكمة لها طابع دولي وتوسيع التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه، واخيرا ربما ليس آخرا الى المطالبة ببيان يصدر عن مجلس الوزراء يعلن ان المقاومة ليست ميليشيا وعدم الاكتفاء بما جاء في البيان الوزاري عن المقاومة وذلك اعتقادا منهم ان مجرد القول انها ليست ميليشيا لا يعود في الامكان تنفيذ البند الوارد في القرار 1559 المتعلق بنزع سلاح الميليشيا.

الواقع ان المقاومة تبقى مقاومة ما دام ثمة اراض لبنانية تحتلها اسرائيل، ولا تبقى مقاومة بل تصبح ميليشيا اذا ما ظلت مصرة على الاحتفاط بسلاحها وعدم تسليمه للدولة بعد تحرير كل الاراضي اللبنانية من الاحتلال الاسرائيلي بما فيها مزارع شبعا، لذلك تطلب الحكومة بترسيم حدود هذه المزارع لمعرفة ملكية لبنان فيها كي يصير تحريرها اما بالمفاوضات واما بالمقاومة التي تصبح حقا مشروعا للبنان. والغريب ان الرئيس الاسد يعتبر ترسيم حدود هذه المزارع مطلبا اسرائيليا او خدمة لاسرائيل وكأن اسرائيل يهمها كثيرا الانسحاب من الاراضي العربية التي تحتلها، والا لكانت انسحبت ليس من منطقة صغيرة مثل مزارع شبعا، بل من الجولان ومن الضفة الغربية، ولا شيء يضمن انسحابها حتى من هذه المزارع بعد ترسيم الحدود.

ان معارضة الرئيس الاسد ترسيم حدود مزارع شبعا معتبرا ذلك مطلبا او خدمة لاسرائيل، تؤدي الى ابقاء هذه المزارع محتلة لتبرير بقاء المقاومة والاحتفاظ بسلاحها لانه اذا ما تحررت من الاحتلال الاسرائيلي تنتفي اسباب استمرار المقاومة والاحتفاظ بالسلاح والا تصبح ميليشيا يحق للدولة نزع سلاحها ليس تنفيذا لبند في القرار 1559 بل من اجل اقامة الدولة اللبنانية القوية القادرة والتي لا دولة ضمنها ولا سلاح خارج شرعيتها.

اضف الى ذلك، ان الرئيس الاسد لا يريد تحرير المزارع من دون تحرير الجولان ايضا، وهو يخشى ان تتحرر هذه المزارع ولا يتحرر الجولان، ولا يبقى عندئذ مبرر لاستمرار المقاومة التي تتخذ منها سوريا ورقة ضغط تحركها ساعة تشاء وفي الاتجاه الذي تريد لتبقى الجبهة اللبنانية وحدها مفتوحة مع اسرائيل من دون سائر الجبهات، ولمساومة الولايات المتحدة الاميركية عند اي تحريك لها.

ولا بد من التذكير ان سوريا عندما كانت موجودة بوصايتها الكاملة على لبنان مدة 30 عاما تعمدت ابقاء بؤر تفجير وجزر امنية فيه وأبت ان تعمل على ازالتها كي يبقى التخويف بها مبررا لاستمرار هذه الوصاية. وعندما ارغمت على سحب قواتها من لبنان وانهاء وصايتها عليه اخذت تحرك هذه البؤر وتجعل من الجزر الامنية سببا لخلق الاضطرابات والقلاقل والارباكات لحكومة السنيورة بسبب عدم رضاها عليها بحيث تضطرها اما للرضوخ لرغبات سوريا ومطالبها واما تحميلها نتائج هذا الوضع المضطرب وعواقبه سياسيا وامنيا واقتصاديا وعدم تمكين الحكومة من ترسيخ الامن والاستقرار في البلاد ومعالجة الحالة الاقتصادية والمعيشية المتفاقمة، والحؤول دون تحقيق رغبتها في عقد مؤتمر للدول المانحة في بيروت للحصول على المساعدات اللازمة التي تنهض بلبنان اقتصاديا وتمكينه من التوصل تدريجا الى اطفاء الدين العام، فتكون سوريا بذلك قد نفذت تهديدها بجعل لبنان غير مستقر امنيا وسياسيا وابقاء الشعب اللبناني قريبا من حافة الفقر...

ان توصل سوريا الى تحقيق كل ذلك، يتوقف على وزراء "التحالف الشيعي" وعلى النيات المبيتة. فاذا ظلوا معتكفين، فانهم يتسببون في شل مجلس الوزراء وعدم تمكينه من اتخاذ القرارات المهمة ومن درس واقرار موازنة سنة 2006 وما تتضمنه من اصلاحات ضرورية في شتى المجالات تمهد لانعقاد مؤتمر الدول المانحة في بيروت وتضمن له النجاح، وهذا من شأنه ان يضع الحكومة المشلولة امام مسؤولياتها حيال الشعب ومطالبه الاجتماعية ومواجهة الاستحقاقات المرتقبة بحيث تعلن النقابات الاضرابات والتظاهرات احتجاجا على عجز الحكومة المتأتي من مقاطعة وزراء "التحالف الشيعي" وهي مقاطعة لطائفة شريكة في الحكم وليس لاحزاب يمكن ابدالهم بوزراء من احزاب اخرى. واذا قرر هؤلاء الوزراء العودة عن اعتكافهم وحضور جلسات مجلس الوزراء، وكان مخطط افشال الحكومة لا يزال قائما من اجل فرض ترحيلها، فانهم قد يعرقلون اقرار الاصلاحات الضرورية الواردة في مشروع موازنة 2006 ويطالبون بالتوافق على اقرار هذه الاصلاحات وليس بالتصويت، فتطول المناقشة وتكثر الخلافات، وتمضي المدة التي من المقرر ان يعقد خلالها مؤتمر الدول المانحة. وهذا ما حذر منه الرئيس السنيورة ووزير المال جهاد ازعور، نظرا الى ما يترك ذلك من اثر سلبي على الاوضاع الاقتصادية والمالية في البلاد.

والسؤال المطروح هو: اي قرار سيتخذه وزراء "التحالف الشيعي" بوحي من ضميرهم وارادتهم او بوحي ارادة من يريد ترحيل الحكومة بهدف تحويل الاقلية التي تدين بالولاء لسوريا الى اكثرية تغيّر "الحالة العابرة" كما وصفها الرئيس الاسد، خصوصا ان العماد ميشال عون والسيد حسن نصرالله يلتقيان على ترحيلها من اجل تشكيل حكومة وحدة وطنية قد يتعذر تشكيلها في ظل الاجواء الملبدة، فتدخل البلاد عندئذ في المجهول وتفتح ابواب التدخل من كل حدب وصوب... وتفتح معها مرة اخرى ابواب الهجرة الواسعة امام اللبنانيين!