ما زال رياض سيف الصناعي الدمشقي السابق، والنائب المستقل الذي فقد مقعده البرلماني في أعقاب محاكمته بتهمة السعي لتغيير الدستور بطرق غير شرعية، ما زال بالحماسة التي عُرف بها قبل دخوله السجن. لا بل ان تجربة أربعة أعوام وأربعة أشهر خلف القضبان حققت له فوائد كثيرة حسب ما يقول لزواره، لقد أصبح أكثر نضوجا من الناحية السياسية، وهذا بدوره جعله أكثر حسما في رؤيته لعلاقته بالنظام السوري ونظرته اليه.

في هذا الحوار كان لا بد من متابعة ما وصل اليه رياض سيف في رؤيته الى المعارضة السورية والخارج وعلاقته بالتغيير الداخلي،وبأحزاب الاسلام السياسي (الأخوان) إضافة الى توقعاته عن مستقبل النظام في دمشق الذي يتعرض لضغوط مختلفة.

في البداية ما حقيقة نياتكم عن تأسيس حزب ليبرالي؟

- لا يوجد اسم محدد، نحن أقرب الى الديموقراطية كمفهوم وآليات عمل من الليبرالية، أقصد نحن ديموقراطيين بكل ما في هذه الكلمة من معنى، واقصد الديموقراطية التي تطورت واكتسبت خبرات وتراكمات منذ الحرب العالمية الثانية في أوروبا وما أضافته المنظمات العالمية المهتمة بقضايا حقوق الانسان وغيرها. ديموقراطية مبنية على اسس ومنظومة أخلاقية ومنسجمة في الوقت نفسه مع ثقافة الشعب السوري. في هذا الصدد نحن سنسعى، لنكون بعيدين تماما عن الشعارات. وفي إطار ذلك نملك خطة عملية لوضعها حيز التطبيق.

هل لديكم شركاء وما هي ملامحهم؟

- يوجد شركاء للمشروع، والعمل لن يكون فرديا، نحن مجموعة في إطار النقاش، وحاليا نحن بصدد بلورة للمفاهيم التي تسبق التقدم بالمشروع الذي سوف يكون قادرا على استيعاب أوسع طيف من المجتمع السوري بكل مكوناته وشرائحه الاقتصادية والاجتماعية والدينية، بحيث يكون هناك قواسم مشتركة بين الجميع.

وهل هذا ممكن؟

- نعم، لنأخذ تجربة الحزب الديموقراطي في الولايات المتحدة، فيه شرائح اجتماعية مختلفة، كذلك بعض الأحزاب الأوروبية، في هذه التجارب لا توجد قوالب جاهزة ولا أصنام.

ماذا عن المعارضة السورية، هل ستتعاونون معها، هل أنتم راضون عن أدائها؟

- أنظر الى المعارضة السورية بكل تقدير واحترام لأنها تعمل في ظروف قاسية جدا وتسير ضمن حقل ألغام، وكما هو معروف قد يدفع كاتب مقالة ما ثمنا باهظا كأن يلقى به في السجن. لذلك أقول أن ارحموا المعارضة السورية وانصفوها لأنها تعمل في ظروف قاهرة وغير طبيعية ومهما بذلت من نشاط فهو جيد.

من ناحية ثانية، المعارضة السورية ممن انضووا تحت "إعلان دمشق للتغيير الديموقراطي" أثبتت أنها قادرة على الفعل في كل الظروف. وبالنسبة لي فإن اقترابي من المعارضة السورية بعموم طيفها ينطلق من الاحترام الكامل للآخر لأني ديموقراطي، وكوني كذلك من البديهي أن احترم الجميع، أنا لست الحكم ولست القاضي، صاحب الحكم هو الشعب السوري.

بالتأكيد ستجمعنا قواسم مشتركة في حزبنا الجديد وسيكون هناك إمكان لتعاون جانبي مع أطياف المعارضة القريبة منا والمسافة ستتحدد بقدر التوافق على القواسم المشتركة.

ماذا عن المعارضة السورية في الخارج ، اليوم هناك طيف مختلف؟

- السوريون في الخارج سواء أكانوا من المعارضة أم من المنفيين العاديين الذين غادروا بلادهم لدوافع معينة، هم مواطنون كاملو الانتماء، ويوجد مستويات للتعامل مع المعارضة السورية في الخارج تبدأ من "إعلان دمشق" وقد تنتهي بالشراكة. لكن هنا يجب أن أوضح مسألة، أنه توجد خطوط حمراء أو موانع بالنسبة لنا إزاء بعض طيف المعارضة، أقصد أنه يجب أن يكون الجميع تحت سقف "إعلان دمشق" بمعنى أن يكونوا ديموقراطيين ويؤمنوا بالآخر، ثم ان ما قصدته بالخطوط الحمر، هو أن لا تكون هذه المعارضة ملوثة بفساد سابق في سوريا أو ارتباطات مشبوهة بالخارج، هذه المعارضة لا يمكن أن نقيم معها علاقة لكن ليس من حقنا الغاؤها.

ونحن لا توجد عندنا مشكلة مع التنظيمات والاحزاب الإسلامية، أقصد متى أصبح الاسلاميون ديموقراطيين، فلن يعودوا يخيفوننا.

في هذا الصدد ومنعا لأي التباس، هناك أمور واضحة ومحسومة، أولها أني أرفض رفضا مطلقا الاحتلال الأجنبي لأي سبب وتحت أي عنوان، ثم من ناحية ثانية يجب أن نميز بين مصلحة النظام في سوريا ومصلحة الشعب السوري، من الخطأ أن نطلق شعارات ملتبسة عندما تكون سوريا مهددة، يجب أن نميز هل النظام مهدد أم الشعب السوري؟ إذا كان الشعب مهددا بلقمته وحياته وكرامته فنحن طبعا سنكون في الصف الأول للدفاع عن لقمتنا وكرامتنا أما إذا كان النظام مهدداً فهذا حديث مختلف.

النقطة الثانية، المعارضة في الداخل، لها حق مشروع في إيصال رسالتها وخطابها السياسي وبرنامجها الى صاحب العلاقة الذي هو الشعب السوري، فهذا الحق تضمنه البديهيات وكل الشرائع، نحن ممنوعون من هذا الحق في هذه المرحلة وسوف نطالب به بإلحاح، وإذا ما حصلنا عليه فهذا جيد، وان لم نحصل سوق نصرخ، وإذا لم تسمع صرختنا سوف نطلب المساعدة من أي كان من القوى الحرة في العالم كي تساعدنا في إيصال خطابنا السياسي لشعبنا.

هذا يدفع للسؤال عن مفهومكم عن الخارج، هل تراه قوة مساعدة على التغيير الديموقراطي؟

- إذا كان الشعب السوري يملك الحقيقة والافكار والمبادئ التي تحفزه على المطالبة بحقوقه التي أفتقدها منذ اربعين سنة، فسيكون قادرا على انجاز مهمة التغيير من خلال قياداته الوطنية وامكاناته الذاتية دون دعم خارجي سواء أكان عسكريا أما ماديا، وفي مثل هذه الحالة نكون انتقلنا الى الديموقراطية بأقل الخسائر الممكنة. لكن هنا يجب إيضاح مسألة في غاية الاهمية وهي أنه ومنذ مئات السنين لم يتحرر شعب من الشعوب من براثن الاحتلال أو من نظام استبدادي إلا بدعم ومساندة خارجيتين بشكل أو بآخر، وأقرب مثال هو شعوب أوروبا الشرقية التي لم تحقق ما وصلت اليه اليوم بنضالات شعوبها وامكاناتهم الذاتية فقط، لقد كان هناك دعم خارجي.

في ظل الضغوط الخارجية المتواصلة على النظام السوري، كيف ترون مستقبله؟

- أنا مع التغيير جملة وتفصيلا ولا يوجد أمل بالاصلاح أبدا. في نظرتي الى مستقبل النظام لا أنطلق من امكان تغييره نتيجة ضغوط خارجية على خلفية اتهامات معينة، كجريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري. نحن بشكل صريح وواضح نسعى بشكل سلمي لتغيير النظام، أي لمبدأ تداول السلطة وليس لتغييره من طريق انقلاب.

هناك مؤشرات عديدة وواضحة الى عدم قدرة النظام في سوريا على الاستمرار وعدم قدرته على إصلاح نفسه، في هذه الحالة يصبح التغيير نحو الديموقراطية ضرورة يجب أن نؤمن بها. وهناك إمكان يخطر على الذهن أنه لو قرر الرئيس بشار الأسد الوقوف الى جانب التغيير واحلال الديموقراطية الحقيقة ومبدأ تداول السلطة بالاتفاق مع كل أطياف الشعب السوري وممثليه لأصبحت تكاليف الانتقال الى الديموقراطية منخفضة جدا ولأمكن تحقيق ذلك الهدف بانتهاء مدة الرئاسة عام 2007 وفي هذه الحالة سيسجل التاريخ للرئيس بشار الأسد هذا الموقف الوطني الذي سيوفر على البلاد الكثير من المآسي. والرئيس يملك القدرة فهو ممسك بزمام القوة العسكرية وقادر على تنفيذ ذلك، وحتى لا يكون هناك سوء فهم نحن نتعاون مع رئيس الجمهورية شخصيا وليس مع حزب البعث والنظام وأجهزته الأمنية.

ألا تعتقد أن جزءا من مشكلة المعارضة السورية هو غياب الشخصية الكاريزمية التي تستطيع استقطاب الجميع حولها، ثم هناك من يعتقد أنك تمتلك مواصفات تؤهلك لتكون ذلك الشخص، كيف ترى نفسك؟

- يجب أن يوجه هذا السؤال الى غير رياض سيف، لكن لو توافر المناخ الطبيعي للعمل السياسي في سوريا، أي توافرت شروط حرية التعبير دون خوف، لوجدنا آلاف الكوادر والقيادات المخلصة والوطنية التي يمكن أن تقود السوريين نحو الديموقراطية بنجاح. وإذا كان لرياض سيف ميزة حاليا فهي استعداده لدفع ثمن لقوله كلمة حق، لكن لا يلام أبدا من هو ليس على استعداد لدفع الثمن نتيجة ظروف خاصة.

لذلك فإن الحل يكون بخلق المناخ المناسب لظهور القيادات الوطنية التي لن يكون الشعب السوري عقيما في إنتاجها وهنا أحذر من تكرار الأخطاء السابقة بالاعتماد على الفرد والشخص.